كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 3)

الثاني: اللطف في طلب النهي، ويتضمن ذلك فضل ربنا علينا من جميع الوجوه، اللهم أوزعنا شكر نعمتك، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، والله أعلم.
قوله: "نزلَ تحريمُ الخمرِ وهي من خمسةٍ؛ من العنبِ، والتمرِ، والعسلِ، والحنطةِ، والشعيرِ"؛ هذا إشارة من عمر - رضي الله عنه - إلى أن القرآن نزل أمره ونهيه على وفق اصطلاح الناس فيما يفعلونه ويجتنبونه؛ فإن الخمر كانت حينئذ من هذه الأشياء، فلا يحملونها على واحد متخذ من هذه الخمسة، بل منها ومن غيرها، ولهذا قال عمر - رضي الله عنه -: والخمرُ: ما خامرَ العقل، وقال ذلك في خطبته بمشهد من الصحابة -رضي الله عنهم- وغيرهم، ولم يردَّ ذلك عليه أحد، بل أقروه، ونقلوه، وعملوا به، وصار ذلك إجماعًا.
وإنما حمل عمرَ - رضي الله عنه - على ذلك، وقوله في الخطبة: فإن أهل الحجاز قالوا: الخمر ما اعتصر من العنب فقط، وخَصُّوه به، فأراد -رضي الله عنه- أن يعرفهم أن القرآن إنما نزل على وَفْق العادة فيما يتخذ منه، لا بالنسبة إلى لغتكم يا أهل الحجاز.
وقوله: "وهي من خمسة"، وذكرَها، هي جملة في موضع الحال.
وقوله: "والخمرُ: ما خامرَ العقلَ" ثلاث مجاز تشبيه، وهو من باب تشبيه المعنى بالمحسوس.
واعلم أن العقل معنى قائم بإدراك الموجودات، وهو في الإنسان قائم ببدنه ونفسه وروحه، فإذا سكر واحد من هذه الثلاثة، سكر الباقيان، وزال العقل المدرك.
والإدراك هو مطلوب لله تعالى من العباد؛ ليقوموا بسببه بالعبودية، وإذا كان ذلك كذلك، كان فقدُ العقل سببًا لفقد الإدراك المطلوب، فلذلك حرم ما خامره مخامرة محاله؛ وهي البدنُ والنفسُ والروحُ، فجميع المشروبات المسكرات تخامر بدن الإنسان، فتخامر نفسه وروحه، وجميعُ الشهوات؛ كالعشقِ واللهو

الصفحة 1644