كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 3)

وقوله: "مما لم يُوجِفِ المسلمونَ عليه بخيلٍ ولا رِكاب"؛ الإيجاف: الإسراع. يقال: وجفَ الفرسُ والبعير، بجف وَجِيفًا: أسرع. وأوجفه صاحبه: إذا حمله على السير (¬1).
والركاب: الإبل خاصة.
وقوله: "وكانتْ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خالصًا"؛ معناه: أن أموال بني النضير كان معظمها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا كلها؛ حيث إن له - صلى الله عليه وسلم - مما أفاء الله عليه أربعة أخماسه، وخمس الخمس الباقي، فيكون له أحد وعشرون سهمًا من خمسة وعشرين سهمًا، والأربعة الباقية لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
وقوله: "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يعزلُ نفقةَ أهلِه سنةً"؛ يعني أنه - صلى الله عليه وسلم - لما كانت أموال بني النضير له خالصًا، واتسع عليه الحال، ادخر لعياله قوت سنة، أو نفقة سنة؛ تطييبًا لقلوبهم، ولاتساع الحال عليه وعلى المسلمين في سنة أربع من الهجرة. وإلا فقد كان حاله - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك أنه لا يدخر لغد شيئًا؛ ثقة بالله -عزَّ وجلَّ-، وتوكلًا عليه، ولضيق الحال عليه وعلى المسلمين.
وهذا كله دليل على مراقبته - صلى الله عليه وسلم - لأمر ربه -سبحانه وتعالى- في خلقه، من العيال الأقارب والأتباع الأجانب.
وكان حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغنى الصوري المعنوي، وكان صابرًا لأحكام الله تعالى غنيًّا به - صلى الله عليه وسلم -سبحانه وتعالى-، [شاكرًا] (¬2) حامدًا له على البأساء والضراء، والشدة والرخاء، ولهذا كان يحمد ربه -سبحانه وتعالى- على كل حال، لما علم أنه ملطوف به مختار له مربوب، وأن اختيار الحق له - صلى الله عليه وسلم - خير من اختياره لنفسه، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - عُرضت عليه كنوزُ الأرض فأباها، فكان فقره - صلى الله عليه وسلم - اختيارًا لا اضطرارًا أصليًّا، بل اضطرارٌ عن اختيار.
¬__________
(¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 156)، و"لسان العرب" لابن منظور (9/ 352)، (مادة: وجف).
(¬2) ليست في "ح".

الصفحة 1699