كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 3)

وكان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - لما بلغه هذا الحديث جعله حدًّا، وكان يجعل من دون الخمس عشرة في الذرية، وعمل به الصحابة والتابعون وهلم جرًّا.
قال شيخنا الإمام أبو زكريا النووي - رحمه الله -: وفيه دليل على أن الخندق كانت سنة أربع من الهجرة، وهو الصحيح، قال: وجماعة من أهل السير والتواريخ يقولون: كانت سنة خمس، وهذا الحديث يرده؛ لأنهم أجمعوا على أن أحدًا كانت سنة ثلاث، فتكون الخندق سنة أربع؛ لأنه جعلها في هذا الحديث بعدها بسنة. هذا آخر كلامه (¬1).
وقد ذكرنا الاحتمال فيه على ما قاله أهل السير والمغازي آنفًا، والله أعلم.
وفيه دليل: على أنه ينبغي للإمام استعراض الجيش قبل الحرب، فمن وجده أهلًا، أجازه، ومن وجده غير أهل، رده، كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل، والله أعلم.
* * *

الحديث السادس عشر
وعَنْهُ أيضًا: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَسَمَ فِي النَّفَلِ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا" (¬2).
أما النَّفَل -بفتح النون والفاء معًا-، فيطلق، ويراد به الغنيمة، وهو المراد هنا، وقد يراد به الزيادة والعطية غير الغنيمة، لكن لما كانت الغنيمة عطية من الله تعالى؛ حيث أحلها - سبحانه وتعالى - لهذه الأمة دون غيرها، سميت: نفلًا، وعلى ذلك حمل قوله - تعالى -: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال:1]، وقد يراد به ما ينفله الإمام لسرية أو لبعض الغزاة خارجًا عن السهام
¬__________
(¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (13/ 12).
(¬2) رواه البخاري (3988)، كتاب: المغازي، باب: غزوة خيبر، ومسلم (1762)، كتاب: الجهاد والسير، باب: كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين.

الصفحة 1708