كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 3)

وقد نهى الشرع عن تعاطي السيف مسلولًا، وأمر بالإمساك على النصال، ومنع من الإشارة بالحديد ونحوه، خوفَ نزغ الشيطان من يده إلى أخيه المسلم، وكل ذلك دليل على احترام المسلمين، وتحريم تعاطي الأسباب الحاملة على أذاهم؛ لكرامتهم عند الله تعالى، وتعريف مقامهم، والله أعلم.
* * *

الحديث التاسع عشر
وعَنْهُ أيضًا، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلكَ في سَبِيلِ الله؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - " (¬1).
أما الشجاعة؛ فهي ضد الجبن.
ثم القتال للشجاعة على أنواع:
أحدها: أن يقصد به المقاتل إظهار الشجاعة، فيكون في الحديث إضمار تقديره: قاتل لإظهار الشجاعة، على حذف المضاف، وهذا مناف لسبيل الله.
والثاني: أن يكون قتاله شجاعة، علة لقتاله من غير قصدٍ لشيء بالقتال، فهذا بمجرده، من حيث هو هو، لا يجوز أن يكون مرادًا؛ حيث إن الشجاع المجاهد في سبيل الله تعالى إنما قاتل لكونه شجاعًا، لا لقصد إظهار الشجاعة، ولا لكونه علة له. وهذا كما يقال: أعطى لكرمه، ومنع لبخله، وآذى لسوء خلقه؛ فكأنه قاتل لشجاعته، وهذا غير مناف لسبيل الله.
الثالث: أن يكون قتاله للشجاعة فقط، وهو غير المعنى الذي قبله؛ حيث إن الأحوال ثلاثة: حال يقصد بها إظهار الشجاعة، وحال يقصد بها إعلاء كلمة الله تعالى: وحال يقاتل فيها لأنه شجاع، لا يقصد إعلاء كلمة الله تعالى، ولا يقصد
¬__________
(¬1) رواه البخاري (7020)، كتاب: التوحيد، باب: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 171]، ومسلم (1904)، (3/ 1513)، كتاب: الإمارة، باب: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.

الصفحة 1717