كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 3)

إظهار الشجاعة، وهذا ممكن؛ فإن الشجاع الذي دهمته الحرب وطبيعته مسارعة إلى القتال، يبدأ بالقتال لطبيعته، وقد يستحضر أنه لغير الله، أو لإعلاء كلمة الله، وقد لا يستحضرهما، ولا واحدًا منهما.
ويوضح الفرق بينهما أن يقال: قاتل لإعلاء كلمة الله لأنه شجاع، فلا ينافي ذلك وجود الشجاعة، ويقال: قاتل للرياء، ولأنه شجاع؛ حيث إن الجبن منافٍ للقتال مع كل فرض يقصد بخلاف المعنى في إيجاده في القتال بقيد التجرد عن غيره، فإنه منافٍ للقصد.
ومفهوم الحديث: أنه في سبيل الله، إذا قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، وليس في سبيل الله إذا لم يقاتل لذلك.
فعلى الوجه الأول: تكون فائدته بيان أن القتال لهذه الأغراض: مانع.
وعلى الوجه الآخر: أن تكون فائدته أن القتال لأجل إعلاء كلمة الله: شرط.
والفرق بينهما بيِّنٌ، ومفهوم الحديث يقتضي الاشتراط، لكن لا ينبغي أن يضيق بحيث يشترط مقارنته لوقت شروعه في القتال، بل يكون أوسع من هذا، وينبغي وجوده بالقصد العام؛ لتوجهه إلى القتال، وقصده بالخروج إليه لإعلاء كلمة الله تعالى.
ويشهد لذلك: الحديث الصحيح: أنه يكتب للمجاهد استنانُ فرسِه وشربُها في النهر (¬1) من غير قصدٍ لذلك، لما كان القصد الأول واقعًا على الجهاد، لم يشترط كونه في الجزئيات، بل لا يشترط اقتران القصد بأول الفعل المخصوص، بعد كون القصد صحيحًا في الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى؛ دفعًا للحرج والمشقة، فإن حالة الفزع حالة دهش، وقد تأتي غفلة، فالتزام خطور أو حضور النيات في ذلك الوقت حرج ومشقة، والله أعلم.
¬__________
(¬1) روى البخاري في "صحيحه" (2698)، كتاب: الجهاد والسير، باب: من احتبس فرسًا؛ لقوله تعالى {وَمِنْ رِبَاطِ} [الأنفال: 60]، عن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من احتبس فرسًا في سبيل الله؛ إيمانًا بالله، وتصديقًا بوعده، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة".

الصفحة 1718