كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 3)

وأما الحمية؛ فهي الأَنَفَة والغيرة عن عشيرته، وهي من فعل القلوب، ولا تقتضي أن يكون القتال لها مقصودًا للفاعل، إما مطلقًا، وإما في مراد الحديث مما فسرت به إلا بالقصد، ودلالة السياق حينئذ تقتضي أن يكون قد جاء للقتال في سبيل الله، إما لانصرافه إلى هذا الغرض وخروجه عن القتال لإعلاء كلمة الله، وإما لمشاركته المشاركة القادحة في الإخلاص.
والمراد بالحمية: الحمية لغير دين الله تعالى، وبهذا يظهر ضعف الظاهرية في مواضع كثيرة.
وأما الرياء؛ فهو ضد الإخلاص، وحقيقتُه: ترك العمل المطلوب لأجل الناس، وهو يقتضي بداية العمل لأجل الناس، وهو مستحيل أن يجتمع العمل لأجل الله تعالى ولأجل الناس، فيكون القتال بعينه مخلصًا وغير مخلص في حال واحدة، وهذا محال، بل يقتضي ذلك أن يكون شركًا في القتال وغيره؛ ولهذا قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: تركُ العملِ لأجل الناس رياء، والعملُ لأجل الناس شرك، والإخلاصُ أن يعافيك الله منهما (¬1).
وقال غيره: لا يعمل للناس شيئًا، ولا يترك لهم شيئًا.
قال شيخنا الإمام أبو الفتح بن دقيق العيد - رحمه الله -: فإن قلت: فإذا حملت قوله: قاتل للشجاعة؛ أي: لإظهار الشجاعة، فما الفائدة في قوله بعده: ويقاتل رياء؟ قلت: يحتمل أن يراد بالرياء: إظهارُ قصده للرغبة في ثواب الله تعالى، والمسارعة للقربات، وبذل النفس في مرضاة الله تعالى، والمقاتل لإظهار الشجاعة مقاتل لغرض دنيوي، وهو تحصيل المحمدة من الناس، والثناء عليه بالشجاعة، والمقصدان مختلفان.
ألا ترى أن العرب في جاهليتها كانت تقاتل للحمية وإظهار الشجاعة، ولم يكن لها في المراءاة بإظهار الرغبة في ثواب الله تعالى والدار الآخرة؟ فافترق القصدان.
¬__________
(¬1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (8/ 95).

الصفحة 1719