كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 3)

السراية بوجود القيمة، لا بالثمن، وقد تبين المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "قُوِّمَ عليه قيمةَ عدلٍ".
وفي رواية عمرو بن دينار عن سالم، عن أبيه: "أَيُّما عَبْدٍ كانَ بينَ اثنينِ، فأعتقَ أحدُهما، فإنْ كانَ موسِرًا، فإنه يُقَوَّمُ عليه بأعلى القيمةِ"، أو قال: "قيمةً لا وَكْسَ ولا شَطَطَ" (¬1).
وفي رواية أيوب: "وكانَ له من المالِ ما يبلغُ ثمنَهُ بقيمةِ العدلِ" (¬2)، وفي هذا كله ما يبين أن المراد بالثمن: القيمة، فلو كان المال لا يبلغ كمال القيمة، ولكن قيمة بعض النصيب، فمقتضى الحديث تعليق الحكم بمال يبلغ ثمن العبد.
وقد ذكر أصحاب الشافعي - رحمهم الله - في السراية بذلك وجهين.
فيمكن استدلال من لا يرى السراية بمفهوم لفظ الحديث، ويعضده أن في السراية تبعيض ملك الشريك عليه، والأصح عندهم السراية إلى القدر الذي هو موسر به تحصيلًا للحرية بقدر الإمكان، والمفهوم في هذا ضعيف؛ فلو كان عليه دين يساوي القيمة، أو يزيد عليها، فهل يمنع السراية والتقويم؟
فيه الخلاف في منع المدين الزكاة؛ حيث اشترك هو والعتق في كونهما حقًّا لله - تعالى - تعلق بآدمي، والمالكية يرون أن من عليه دين بقدر ماله، فهو معسر، فيقضى هنا على أصلهم منع السراية.
وظاهر الحديث أن الدين لا يكون مانعًا هاهنا؛ تخصيصًا لهذه الصورة بالمانع الذي يقيمه في العتق والزكاة، فلو ملك ما بقي بنصيب شريكه، ولم يملك غيره، فهل يقوم عليه مقتضى الحديث التقويم؟
والشافعية أخرجوا قوتَ يومه، وقوتَ من تلزمه نفقته، ودستَ ثوبٍ، وسكنى يوم.
¬__________
(¬1) رواه الإمام الشافعي في "مسنده" (ص: 194)، وفي "اختلاف الحديث" (ص: 562)، ومن طريقة البيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 275).
(¬2) تقدم تخريج هذه الرواية عند البخاري في "صحيحه".

الصفحة 1734