كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 3)

له: أبو مذكور أعتق غلامًا له يقال له: يعقوب، عن دبر، لم يكن له مال غيره، فدعا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "من يشتريه؟ " فاشتراه نعيم بن عبد الله النحام بثمان مئة درهم، فدفعها إليه، وقال: "إذا كانَ أحدُكم فقيرًا، فليبدأْ بنفسه، فإن كان فيها فضلٌ، فعلى عيالِه، فإن كان فضلٌ، فعلى ذي قرابته، أو ذي رَحِمِهِ" (¬1). وهكذا رواه جماعة عن أبي الزبير، عن جابر؛ منهم: الليث بن سعد، وحماد بن سلمة، وابن جريح، وغيرهم، والله أعلم.
وفي رواية النسائي والدارقطني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دفع إليه ثمن الدبر، قال له: "اقضِ بهِ دَيْنَكَ" (¬2)، والله أعلم.
وقوله: "دُبُرٍ، وأعتقَ غُلامًا له عن دُبُر"؛ معناه: أعتقه بعد موته؛ أي: قال: أنت حر بعد موتي، فكأنه علَّق عتقه بموته، والموتُ دبرُ الحياة، وبه سمي التدبير.
ولا يقال التدبير في غير الرقيق؛ كالخيل وغيرها، مما يوصي به.
قال الإمام أبو القاسم الرافعي - رحمه الله -: وقيل: سمي تدبيرًا؛ لأنه دبر أمر دنياه، باستخدامه واسترقاقه، وأمر آخرته بإعتاقه، قال: وهذا مردود إلى الأول -أيضًا-؛ لأن التدبير في الأمر مأخوذ من لفظ الدبر أيضًا؛ لأنه نظر في عواقب الأمر وإدباره، والله أعلم (¬3).
وفي الحديث أحكام:
منها: جواز التدبير وصحته، وقد أجمع المسلمون عليه.
¬__________
(¬1) رواه الإمام أحمد في "المسند" (3/ 305)، وأبو داود (3957)، كتاب: العتق، باب: في بيع المدبر، والنسائي (4653)، كتاب: البيوع، باب: بيع المدبر، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 309).
(¬2) رواه النسائي (5418)، كتاب: آداب القضاة، باب: منع الحاكم رعيته من إتلاف أموالهم، وبهم حاجة إليها، والدارقطني في "سننه" (4/ 139)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 311).
(¬3) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (3/ 98).

الصفحة 1744