كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

والنِّيَّة -بتشديد الياء على المشهور، وحكي تخفيفها-، وهي القصد، وهو: عزم القلب على الشيء، والمراد هنا: العزم على الفعل تقربًا إلى الله تعالى.
والهَجْرُ في اللُّغة: التَّرْك، وهو تَرْكُ الوطن وغيره هنا (¬1).
وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلىَ اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلىَ اللهِ وَرَسُولِهِ".
القاعدة عند أهل العربية المتقررة أَنَّ الشَّرْطَ والجزَاء والمبتدأ والخبر لا بُدَّ أَنْ يتغايَرا، وها هنا وقع الاتحاد في قوله: "فمن كانت هجرته" إلى آخره، فلا بُدَّ أن يقدر له شيء، وهو: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيّةً وقصدًا، فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا.
ووقعت الهجرة في الإسلام على أوجه:
أحدها: إلى الحبشة عندما آذى الكفار الصَّحابة.
الثَّانية: من مكّة إلى المدينة.
الثَّالثة: هجرة القبائل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الرَّابعة: هجرة من أسلم من أهل مكّة ليأتي إلى النبيّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، ثمَّ يرجع إليها.
الخامسة: هجرة ما نهى الله عنه.
ومعنى الحديث وحكمُه يتناول الجميع، غيرَ أَنَّ الحديث ورد على سببٍ، على ما سيأتي، والعبرة بعموم اللفظ.
وقوله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "وَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ الَى دُنْيَا"، الدُّنْيَا -بضم الدَّال على المشهور-، وحكى ابن قتيبة وغيره كسرها، وجمعها دُنا؛ كَكُبْرَى وكُبَر، وهي من دَنَوْتُ؛ لِدُنُوِّها وسبقها الدَّار الآخرة، وينسب إليها: دُنْيَوِيٌّ، ودُنْيِيٌّ، وقال الجوهريُّ وغيره: ودُنْيَاوِيٌّ (¬2).
¬__________
(¬1) انظر: "لسان العرب" لابن منظور (5/ 250)، (مادة: هجر).
(¬2) انظر: "تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص: 265)، و"لسان العرب" لابن منظور (14/ 272)، (مادة: دنا).

الصفحة 44