كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

وفي حقيقتها قولان للمتكلمين:
أحدهما: ما على الأرض مع الجَوِّ والهواءِ.
والثاني: كلُّ المخلوقات من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدّار الآخرة، وهو الأظهر.
وقوله: "دُنْيَا" -مقصور غير مُنوَّنٍ على المشهور-، وهو الذي جاءت به الرِّواية، ويجوز في لغةٍ غريبةٍ تنوينها، وروى ابنُ الأعرابي بيت العَجَّاج في جمع دُنْيَا:
دُنْيًا طَالَ ما قد عَنَتْ
بالتنوين، والمشهور فيه بلا تنوين.
وقوله: "أَوِ امْرَأَة يَتَزَوَّجُهَا" أي: يَنْكِحُهَا كما جاء في الرّواية الأخرى، وقد تستعمل بمعنى الاقتران بالشيء، ومنه قوله تعالى: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان: 54] أي: قَرَنَّاهم، عند الأكثرين.
وقال مجاهد والبخاري وطائفة: أَنْكَحْنَاهم.
فإن قيل: كيف ذُكِرَتِ المرأة مع الدُّنْيَا مع أنها داخلة فيها؟ فالجواب: أنه جاء أن سببَ هذا الحديث: أن رجلًا هاجر من مكّة إلى المدينة ليتزوَّج امرأةً تسمى أمَّ قيس، لا لقصدِ فضيلةِ الهجرة، فقيل له: مهاجرُ أمَّ قيسٍ (¬1)، فلهذا خصَّ ذكر المرأة، وإن كانت أعظم أسباب الدُّنيا، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ إنَّ الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا: الْمَرأَةُ الصَّالِحَةُ" (¬2).
فالغالبُ أنها شرُّ متاع الدُّنيا دونَ سائر ما يُنوى به الهجرةُ من أفراد الأعراض
¬__________
(¬1) رواه الطّبرانيّ في "المعجم الكبير" (8540)، ومن طريقه: المزي في "تهذيب الكمال" (16/ 126)، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" (10/ 590)، وأخرجه ابن منده، وأبو نعيم من طريق أخرى، كما ساقه الحافظ ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة" (18/ 281)، من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
(¬2) رواه مسلم (1467)، كتاب: الرضاع، باب: خير متاع الدُّنيا المرأة الصالحة، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.

الصفحة 45