كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

أبي صفرة، وأصحابِ مالك: أنه لا تجب قراءة أصلًا، وهي رواية شاذة عن مالك، وفي مذهب مالك في قراءة الفاتحة في كل ركعة ثلاثة أقوال:
أحدها: كمذهب الجمهور، وتجب في كل ركعة.
والثاني: في الأُوليين.
والثالث: تجب في ركعة واحدة.
وقال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة: لا تجب القراءة في الركعتين الأخيرتين، بل هو بالخيار، إن شاء قرأ، وإن شاء سَبَّح، وإن شاء سكت، والصحيح الذي عليه جمهور العلماء من السلف والخلف: وجوبُ الفاتحة في كل ركعة؛ لقوله - صَلَّى الله عليه وسلم - للأعرابي: "ثم افعلْ ذلكَ في صلاتِك كلِّها"، مع قوله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "لا تجزئ صلاةٌ لا يُقْرَأُ فيها بفاتحةِ الكتابِ" رواه أبو بكر بن خزيمة، وأبو حاتم بن حبان في "صحيحيهما" من رواية أبي هريرة (¬1)، وهو مبين أن المراد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاةَ إلَّا بفاتحةِ الكتابِ" (¬2) عدمُ الإجزاء، لا نفيُ الكمال.
والجواب عن هذا الحديث: أن المراد منه: "اقرأ ما تيسر": ما زاد على الفاتحة بعدها؛ جمعًا بينهم وبين دلائل إيجابها، ويؤيده الأحاديث الحسنة التي رواها أبو داود في "سننه" مرفوعة: "ثم اقرأْ بفاتحةِ الكتاب، وما تيسر من القرآن" (¬3)، وفي رواية: "وما شاءَ الله" (¬4)، وروى أبو حاتم بنُ حبان في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن نقرأ بفاتحة الكتاب، وما تيسَّر، في الصَّلاة (¬5) وقد قال بوجوب الزائد على الفاتحة
¬__________
(¬1) رواه ابن خزيمة في "صحيحه" (490)، وابن حبان في "صحيحه" (1789).
(¬2) رواه البُخاريّ (723)، كتاب: صفة الصَّلاة، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، ومسلم (394)، كتاب: الصَّلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -.
(¬3) انظر تخريجه في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - الآتي.
(¬4) رواه الإمام أحمد في "المسند" (6/ 236)، لكن من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(¬5) رواه ابن حبان في "صحيحه" (1790)، وأبو داود (818)، كتاب: الصَّلاة، باب: من ترك =

الصفحة 502