كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو أكثر الصَّحابة حديثًا، وعبد الله بن عمرو بن العاص أكثرُ منه حديثًا، على ما ثبت عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وعاش أكثرَ منه، وتأخرت وفاته بعده، إلا أنَّ أبا هريرة كان مقيمًا بالمدينة، ولم يخرج منها، وكان النَّاس يأتونها من كلِّ ناحية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكونها محط الرّكاب؛ لأجل الخلافة، ولزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصَّلاة في مسجده، ولأخذ العلم، وكان أبو هريرة متصدِّيًا للرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونشر العلم؛ بخلاف عبد الله بن عمرو؛ فإنَّه سافر إلى البلاد، وغلب عليه العبادة، فلهذا لم يُشتهر حديثه، ولم تكثر روايته؛ واشتُهر وكثر حديث أبي هريرة - رضي الله عنهما -.
وكان أبو هريرة من أصحاب الصُّفَّة، ومن أحفظ الصَّحابة حديثًا.
وقال البخاري: أبو هريرة: دَوْسِيٌّ أزديٌّ يمانيٌّ، نزل المدينة.
قال غيره: روى عنه نحو ثمان مئة رجل أو أكثر من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وغيرهم، وكان ينزل ذا الحليفة، وله بها دار تصدّق بها على مواليه، فباعوها من عمرو بن يزيع، وكان ينوب بالمدينة في الصَّلاة وغيرها، وصلَّى على عائشة وأم سلمة زوجَي النبي صلى الله عليه وسلم، ومات بها، ودفن بالبقيع سنة سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وخمسين، وكان سنُّه يوم مات ثمانيًا وثمانين سنة، فتكون سنُّه يوم مات النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى وثلاثين سنة، أو ثلاثين، أو تسعًا وعشرين، على الخلاف في وفاته.
وروي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة آلاف حديث، وثلاث مئة حديث، وأربعة وسبعون حديثًا، اتفقا على ثلاث مئة وخمسة وعشرين، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين، ومسلم بمئة وسبعين (¬1).
¬__________
(¬1) انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1768)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (67/ 295)، و"أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير (6/ 313)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 546)، و"تهذيب الكمال" للمزي (34/ 366)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 578)، و"تذكرة الحفاظ" له أيضًا (1/ 32)، و"البداية والنهاية" لابن كثير (8/ 103)، و"الوافي بالوفيات" للصفدي (18/ 91)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 425)،=

الصفحة 51