كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

والحق الذي لا مرية فيه، ولا تردد، ولا ترجيح: القولُ بمنع ذلك على الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- في كل خبر من الأخبار؛ كما لا يجوز عليهم خُلْفٌ في خبر؛ لا عمدًا، ولا سهوًا، لا في صحة، ولا في مرض، ولا رضا، ولا غضب.
وحسبك في ذلك: أن سيرة [نبينا]- صَلَّى الله عليه وسلم -، وكلامه، وأفعاله؛ مجموعة معتنًى بها على مر الزمان، يتداولها الموافق، والمخالف، والمؤمن، والمرتاب؛ فلم يأت في شيء منها استدراك غلط في قول، ولا اعتراف بوهم في كلمة.
ولو كان، لنقل؛ كما نقل سهوه في الصَّلاة، ونومه عنها، واستدراكه رأيه في تلقيح النخل، وفي نزوله بأدنى مياه بدر، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "واللهِ لا أحلفُ على يمين، فأرى غيرَها خيرًا منها؛ إلَّا فعلتُ الذي هو خيرٌ، وكَفَّرْتُ عن يميني" (¬1)، وغير ذلك.
وأمَّا جواز السَّهو عليه؛ في الاعتقادات في أمور الدنيا: فغير ممتنع.
والذي يتعلق بما ذكرنا، من هذا الحديث؛ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لم أنَس، ولم تُقْصَر"، وفي رواية أخرى: "كل ذلكَ لم يكنْ"، وقد اعتذر عن ذلك بوجوه:
الأول: أن المراد: لم يكن القصر والنسيان معًا، وكان الأمر كذلك.
الثَّاني: أن المراد: الإخبارُ عن اعتقاد قلبه، وظنه؛ وكأنه مقدر النطق به، وإن كان محذوفًا؛ فإنّه لو صرح به، ثم بأن خلافُه في نفس الأمر، لم يقتض أن يكون خلافه في ظنه؛ فإذا كان لو، صرح به، وقيل: لم يكن ظني؛ لم يكن مغايرًا له؛ فكذلك إذا كان مقدرًا.
وهذان الوجهان؛ يختص الأول منهما: برواية من روى كل ذلك: "لم يكنْ"، فأما من روى: "لم أنَس، ولم تقصرْ"؛ فلا يصح فيه هذا التأويل.
وأمَّا الوجه الثَّاني: فهو مستمر على مذهب من يرى؛ أن مدلولَ اللفظ
¬__________
(¬1) رواه البُخاريّ (6247)، في أول كتاب الأيمان والنذور، عن عائشة - رضي الله عنها -. وفي الباب: عن غير واحد من الصحابة -رضي الله عنهم-.

الصفحة 534