كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

الراوي؛ على رأي بعضهم في الرواية الأخرى، هل قال: أَنسى، أو أُنَسّى؟ وأن "أو" هنا للشك، وقيل: بل للتقسيم.
وإن كان هذا: يكون مرَّة من قبل شغله، وسهوه، ومرة يغلب على ذلك، ويجبر عليه ليسن؛ فلما سأله السائل بذلك اللفظ، أنكره، وقال: "كلُّ ذلك لم يكنْ"، وفي الرواية الأخرى: "لم أَنس، ولم تُقْصَرْ"، أما القصرُ فتبين؛ وكذلك لم أَنس حقيقةً من قبل نفسي وغفلتي عن الصَّلاة، ولكن الله نَسّاني، لأَسُنَّ.
وأعلم: أنه ثبت في الصحيح؛ من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو حدثَ في الصَّلاة شيءٌ، لأنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر، أَنْسى كما تنسون؛ فإذا نَسيتُ فذكِّروني" (¬1).
وهذا يعترض على ما ذكره القاضي عياض؛ من أنه - صلى الله عليه وسلم - أنكر نسبة النسيان إليه، وقد نسبه إليه؛ في حديث ابن مسعود هذا مرتين، وما ذكره -أيضًا-؛ من أنه - صَلَّى الله عليه وسلم - قال: "بئسما لأحدِكم أن يقولَ: نَسيتُ آية كذا" (¬2).
وهذا ذم لإضافة نسبة النسيان إليه، ولا يلزم من الذم للإضافة إليها؛ الذم لإضافته إلى كل شيء؛ فإن الآية من كلام الله المعظم، ويقبح بالمسلم إضافة كلام الله تعالى، ونسيانه، إلى نفسه؛ وليس هذا المعنى موجودًا، في كل نسيان ينسبه إلى نفسه؛ فلا يلزم مساواة غير الآية لها.
وكيفما كان، لم يلزم من الذم الخاص الذم العام لو لم تظهر مناسبة، وإذا لم يلزم ذلك؛ لم يلزم أن يكون قول القائل، الذي أضافه إلى عدد الركعات؛ داخلًا تحت الذم، فينكر، والله أعلم.
ولما تكلم بعض المتأخرين؛ على هذا الموضع، ذكر أن التحقيق في الجواب عنه: أن العصمة إنَّما تثبت في الإخبار عن الله تعالى؛ في الأحكام،
¬__________
= من غير هذا الوجه، والله أعلم، ومعناه صحيح في الأصول.
(¬1) تقدم تخريجه.
(¬2) تقدم تخريجه قريبًا.

الصفحة 536