كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

صلاته؛ بالكلام ناسيًا، أو جاهلًا؛ لحديث ابن مسعود، وغيره، وزعموا: أن قصة ذي اليدين منسوخة به؛ بناء على أن ذا اليدين قتل يوم بدر، وأن قصته في الصَّلاة كانت قبل بدر.
قالوا: ولا يمنع من هذا كون أبي هريرة رواه؛ وهو متأخر الإسلام عن بدرٍ؛ لأنَّ الصحابي قد يروي ما لا يحضره؛ بأن سمعه من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو صحابي آخر.
والجواب عن ذلك: أنه لا يصح ادعاء النسخ لحديث أبي هريرة بحديث ابن مسعود؛ لاتفاق العلماء من المحدثين، وأهل السير على: أن حديث ابن مسعود في تحريم الكلام في الصَّلاة كان بمكة، حين رجع من أرض الحبشة، قبل الهجرة، وحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين كان بالمدينة متأخرًا عن عام خيبر، بدليل ما ذكرناه؛ من شهوده القصة، وإسلامه عام خيبر، كما تقدم، وقد بينا غلط الزُّهريّ فيما يتعلق بـ "ذي اليدين" من تسميته ذي الشِّمالين، وأنه استشهد يوم بدر.
ومنها: أن كلام العمد لإصلاح الصَّلاة يبطلها عند جمهور الفقهاء، وروى ابن القاسم عن مالك: أن الإمام لو تكلم بما تكلم به النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من الاستفسار والسؤال عند الشَّك وإجابة المأمومين: أن صلاتهم تَامَّة على مقتضى الحديث، والذين منعوا من هذا اختلفوا في الاعتذار عن هذا الحديث على وجوه:
منها: أنه منسوخ، وقد بينا بطلانه.
ومنها: التأويل لكلام الصحابة بأنه الإشارة والإيماء، لا بالنطق، وفيه بعد؛ لأنَّه خلاف الظاهر من حكاية الراوي لقولهم، وإن كان قد ورد في حديث حماد بن زيد في رواية لأبي داود بإسناد صحيح: "أن الجماعة أَوْمَؤوا" (¬1) أي: نعم، فيمكن الجَمْعُ بين أن يكون بعضُهم نقل ذلك إيماء، وبعضهم كلامًا، واجتمع الأمران في حق بعضهم.
ومنها: أن كلامهم كان إجابة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإجابته واجبة، واعتَرَض عليه
¬__________
(¬1) رواه أبو داود (1008)، كتاب: الصَّلاة، باب: السَّهو في السجدتين.

الصفحة 538