كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

بعض المالكية بأن قال: إن الإجابة لا تتعين بالقول، فيكفي فيه الإيماء، وعلي تقدير أن يجب لا يلزم منه الحكم بصحة الصَّلاة؛ لجواز أن يجب الإجابة، ويلزمهم الاستئناف.
ومنها: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تكلم معَتقِدًا لتمام الصَّلاة، والصحابة تكلموا مجوزين النسخَ، فلم يكن كلام واحد منهم مبطِلًا، وهذا يضعفه ما في "كتاب مسلم" أن ذا اليدين قال: أَقُصِرَتِ الصلاةُ يا رسول الله أم نسيتَ؟ فقال رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "كل ذلك لم يكن"، فقال: قد كان بعضُ ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - على النَّاس فقال: "أَصدقَ ذو اليدين؟ "، فقالوا: نعم يا رسول الله، بعد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل ذلك لم يكن" (¬1).
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل ذلك لم يكن" يدلُّ على عدم النسخ، فقد تكلموا بعد العلم بعدم النسخ.
قال شيخنا أبو الفتح - رحمه الله -: وليتنبه ها هنا لنكتة لطيفة في قول ذي اليدين: قد كان بعضُ ذلك، بعد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل ذلك لم يكنْ"؛ فإن قوله: "كل ذلك لم يكنْ" تضمن أمرين:
أحدهما: الإخبارُ عن حكم شرعي، وهو عدم القصر.
والثاني: الإخبار عن أمر وجودي، وهو النسيان، وأحد هذين الأمرين لا يجوز فيه السَّهو، وهو الإخبار عن الأمر الشرعي، والآخر متحقق عند ذي اليدين، فلزم أن يكون بعض ذلك كما ذكر (¬2).
ومنها: أن الأفعال الكثيرة التي ليست من جنس أفعال الصَّلاة إذا وقعت سهوًا لا تبطل الصَّلاة؛ بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - جرى منه أفعال كثيرة: مشيُه - صَلَّى الله عليه وسلم - إلى منزله، وإتيانُه جذعًا في قبلة المسجد، واستناده إليه لما خرج سرعان النَّاس، وكلامُه لذي اليدين وغيره، وتقدُّمه لإتمام ما بقي من صلاته، وفي هذه المسألة وجهان
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه.
(¬2) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 32).

الصفحة 539