كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

التعارض باتحاد المحل، ولم يقع ذلك مصرحًا به في رواية الزُّهريّ، فيحتمل أن يكون الآخر هو السجود قبل السلام، لكن في محل النقص، وإنَّما يقع التعارض المحوج إلى النسخ لو بين أن المحل واحد، ولم يبين ذلك، واعترض على أن الذين رووا السجود قبل السلام من متأخري الإسلام وأصاغر الصحابة بأنه: لا يلزم منه التحمل حال الإسلام وكبرهم، بل يكون قبلهما، ثم رووه بعدهما، من الاعتذار عن الأحاديث التي جاءت بالسجود بعد السلام التأويل، بأن المراد بالسلام السلام على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي في التشهد، أو يكون بأخيرهما بعده على سبيل السَّهو، وهما بعيدان؛ لسبق الفهم في السلام هو الذي يقع به التحلل، لا الذي في التشهد، والأصل عدم السَّهو وبطريق إلى الأفعال الشرعية من غير دليل سائغ، وأيضًا فهو مقابل بعكسه، وهو أن يقول الحنفي: محله بعد السلام، وتقدمه قبله على سبيل السَّهو، ومن الاعتذار عنها الترجيح بكثرة الرواة، وهو إن صح، فالاعتراض عليه بأن طريقة الجمع أولى من الترجيح؛ لأنَّه إنَّما يصار إليه عند عدم إمكانه، ولا بد فيه من النظر في محل التعارض، وإيجاد موضع الخلاف من الزيادة والنقصان.
وأمَّا القائلون بأن محله بعد السلام مطلقًا، فاعتذروا عن الأحاديث المخالفة لقولهم بالتأويل، إما بأن المراد بقوله: قبل السلام: السلام الثَّاني، أو بأن المراد بقوله: وسجد سجدتين: سجوَدَ الصَّلاة، وما ذكره الأولون من احتمال السَّهو لا يكون إلَّا بعد التسليمتين اتفاقًا.
وذهب أحمد بن حنبل - رحمه الله - إلى الجمع بين الأحاديث بطريق آخر غير ما ذهب إليه مالك، وهو أن يستعمل كل حديث فيما ورد فيه، وما لم يرد فيه حديث، فمحل السجود فيه قبل السلام، وكان هذا نظرًا إلى أن الأصل في الجائز أن يقع في المجبور، فلا يخرج عن هذا الأصل إلَّا في مورد النص، ويبقى فيما عداه على الأصل.
وهذا المذهب مع مذهب مالك متفقان في طلب الجمع وعدم سلوك

الصفحة 542