كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

الحديث الثَّاني
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُحَيْنة، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي الركْعَتينِ الأولَيَيْنِ، وَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إذَا قَضَى الصلاَةَ، وانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ (¬1).
أما عبدُ الله بن بُحينة:
فهو منسوب هنا إلى أمه، واسمُ أبيه: مالك، وتقدم الكلام عليه في آخر باب صفة صلاة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
وأعلم أن كل واحد من التشهدِ الأول وجلوسِه يُشرع لتركه سجودُ السَّهو، وفي هذا الحديث قد تُركا، وسُجد لتركهما سجدتا السَّهو، فيستدل به على أنه إذا سها سهوين أو أكثر: أنه يكفيه سجدتان، وحينئذ يحتمل أن السجود لترك الجلوس، وجاء من ضرورته الوجودية تركُ التشهد، فلا يتعين أن الحكم في السجود ترتَبَ على ترك التشهد فقط.
وقد دل هذا الحديث على شرعية سجود السَّهو لما نقص من الصَّلاة قبل السلام، فإنّه نقص من الصَّلاة المذكورة الجلوس الأوسط وتشهده، ويلزم من ذلك أن الجلوس المذكور وتشهده ليسا بواجبين؛ لأنَّ الواجب لا يجبر إلَّا بتداركه وفعله، فلما جبرا بالسجود، علمنا عدم وجوبهما، ولزم من ذلك عدم تكرر السجود عند تكرير السَّهو؛ لتركه الجلوسَ وتشهدَه، وسجودُه لهما سجدتان من غير تكرير، وهذا إذا ثبت أن ترك التشهد الأول بمفرده موجبٌ.
وفيه دليل على: وجوب متابعة الإمام، وإن ترك بعضًا مسنونًا من الصَّلاة، وهذا لا إشكال فيه، خصوصًا على قول من يقول: إن الجلوس الأول سنة، وهو
¬__________
(¬1) رواه البُخاريّ (795)، كتاب: صفة الصَّلاة، باب: من لم يَر التشهد الأول واجبًا، ومسلم (570)، كتاب: المساجد ومواضع الصَّلاة، باب: السَّهو في الصَّلاة والسجود له.

الصفحة 544