كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

أصحابه عنه على هذه الصورة، لكنه أقرب الأشياء إليه، خصوصا على ما حكيناه من الطريقة في مذهبه، وإن كان ليس هو بعينه.
واستدل من قال بكراهتهما: بنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعدَ العصر حتى تغرب الشمس، وأجاب أصحاب الشافعي عن ذلك: بأن النهي إنما هو عما لا سبب لها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بعد العصر ركعتين قضاء سنة الظهر، فخص وقت النهي، وصلى به ذات السبب، ولم يترك التحية في حال من الأحوال، بل أمر الَّذي دخل المسجد يومَ الجمعة وهو يخطب، فجلس، أن يقوم فيركع ركعتين، مع أن الصلاة في حال الخطبة ممنوع منها إلا التحية، فلو كانت التحية تُترك في حال من الأحوال، لتركت الآن؛ لأنه قعد، وهي مشروعة قبل القعود، ولأنه كان يجهل حكمها، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - قطع خطبته، وكلمه، وأمره أن يصلي التحية، فلولا شدةُ الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات، لما اهتم بها هذا الاهتمام، ولا شك أن الكلام في هذه المسألة مبني على مسألة أصولية، وهي ما إذا تعارض نصان، كلُّ واحد منهما بالنسبة إلى الآخر عامٌّ من وجه، خاصٌّ من وجه، وليس المعنى بالنصين هنا ما لا يحتمل التأويل، بل ما حكمه حكم النص في وجوب العمل؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا إذا دخلَ أحدُكم المسجدَ" الحديث، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاةَ بعدَ الصُّبح" (¬1) الحديث، فالأول خاصٌّ بالنسبة إلى صلاة التحية، عامٌّ بالنسبة إلى الأوقات، والثاني خاص بالنسبة إلى الأوقات، عامٌّ بالنسبة إلى الصلوات، فوقع الإشكال في هذه المسألة من هاهنا، وهي من أشكل مسائل الأصول، ولا بد من تحقيق ذلك، فنقول:
مدلولُ النص إن لم يتناول مدلولَ الآخر، ولا شيئًا منه، فهما كلفظ
¬__________
= ومسلم (828)، كتاب: الصلاة، صلاة المسافرين وقصرها، باب: الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، عن ابن عمر - رضي الله عنه -.
(¬1) رواه البخاري (561)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس، ومسلم (827)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

الصفحة 561