كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

المشركين والمؤمنين مثلًا، وإن كان مدلول أحدهما يتناول كلَّ مدلول الآخر، فهما متساويان؛ كلفظة الإنسان والبشر مثلًا، وإن كان مدلول أحدهما يتناول كل مدلول الآخر، ويتناول غيرَه، فالمتناولُ له ولغيره عامٌّ من كل وجه بالنسبة إلى الآخر، والآخر خاصٌّ من كل وجه، وإن كان مدلولهما يجتمع في صورة، وينفرد كلُّ واحد منهما بصورة أو صور، وكل واحد منهما عام من وجه، خاص من وجه؛ كهذين الحديثين، فهو من هذا القبيل؛ فإنهما يجتمعان في صورة، وهي ما إذا دخل المسجد بعد الصبح أو العصر، وينفردان بأن توجد الصلاة في ذلك الوقت من غير دخول المسجد، أو دخوله في غير ذلك الوقت، فإذا وقع مثل هذا، فالإشكال قائم؛ لأن أحد الخصمين لو قال: لا تكره الصلاة عند دخول المسجد في هذه الأوقات؛ لأن هذا الحديث دل على جوازها عند دخول المسجد، وهو خاصٌّ بالنسبة إلى الحديث الأول المانعِ من الصلاةِ بعد الصبح، فخصّ قوله: "لا صلاةَ بعدَ الصبح" بقوله: "إذا دخلَ أحدُكم المسجدَ"، فلخصمه أن يقول: قوله: "إذا دخل أحدكم المسجد" عام بالنسبة إلى الأوقات، فخصّه بقوله:: "لا صلاة بعد الصبح"، فإن هذا الوقتَ أخصُّ من عموم الأوقات، فتحقق الإشكال، وذهب بعض المحققين في هذا إلى الوقف حتى يأتي بترجيح خارج بقرينة أو غيرها، فمن ادعى أحد هذا الحكمين من الجواز أو المنع، فعليه إبداء أمر زائد على مجرد الحديث، وقدمناه في جواب أصحاب الشافعي في هذه المسألة أولًا، والله أعلم.
الثالثة: إذا دخل المسجد بعد فعل ركعتي الفجر في بيته، هل يركع تحية المسجد؟
اختلف فيه قول مالك -رحمه الله-، وظاهر هذا الحديث يقتضي أنه يركعهما، وهو قول جمهور العلماء، واستدل من منع ركوعهما بحديث رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا صلاةَ بعدَ الفجر إلا ركعتي الفجر" (¬1)، وعارض به هذا
¬__________
(¬1) رواه ابن حبان في "صحيحه" (1587)، عن حفصة - رضي الله عنها - بلفظ: كان رسول الله =

الصفحة 562