كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

حجته حين دخل المسجد، فابتدأ بالطواف؛ على ما تقتضيه الأحاديث، واستمر عليه العمل، وذلك أخص من عموم دخول المسجد، مع أنه يأتي بعد طوافه بركعتيه، فيكون ذلك جريًا على ظاهر اللفظ، ومشيًا على السنة، وتوفية للعمل بمقتضى الحديث، والله أعلم.
السادسة: ركعتا التحية هل تشرعان لمن صلى العيد في المسجد عند دخوله إليه؟
ظاهر لفظ هذا الحديث أنها تشرع، ونقل الإمام أبو بكر الشاشي - رحمه الله - في "حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء" (¬1) عن الشافعية: أنه يكره للإمام التنفل قبلها وبعدها، ولا يكره للمأموم، قال: وقال مالك وأحمد: يكره للمأموم أيضًا، وعن مالك رواية أخرى: أنه إذا صلى في المسجد، يجوز له التنفل، وقال أبو حنيفة والحسن: يكره له التنفل قبلها، ولا يكره بعدها، وقد جاء في الحديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصلِّ قبلها ولا بعدها -يعني: صلاة العيد-، وهو حديث صحيح متفق عليه، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل العيد في المسجد، ولا نقل ذلك، فلا معارضة بين الحديثين، إلا أن يقول قائل، أو يفهم فاهم: أن ترك الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها من سنتها من حيث هي هي، لا كونها واقعة في الصحراء ولا في المسجد، فحينئذ لم يبق أثر في ذلك الحكم، فيقع التعارض بين الصلاة عند دخول المسجد وعدم الصلاة قبل صلاة العيد في المسجد، غير أن ذلك القول أو الفهم يتوقف على أمر زائد وقرائن تشعر به، والله أعلم.
السابعة: هل تشرع التحية لمن تردد إلى المسجد وتكرر مرارًا كما مر مأمورًا به؟
فيه وجهان لأصحاب الشافعي: قال بعضهم: لا تشرع، وقاسه على من تكرر دخوله إلى مكة من الخطابين والفكاهين من غير إحرام، وفيه -أيضًا- اختلاف قول الشافعي، والحديث يقتضي تكرر الركوع بتكرر الدخول، وهذا القياس
¬__________
(¬1) انظر: "حلية العلماء" لأبي بكر القفال الشاشي (2/ 255).

الصفحة 564