كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: 9]؛ أي: مصليًا، هذا ما يتعلق بالآية من كلام الفقهاء المحققين والمفسرين.
والقنوت يستعمل في اللغة بمعنى الطاعة والإقرار بالعبودية، والخضوع، والدعاء، وطول القيام، والسكوت، وفي كلام بعضهم ما يفهم منه أنه موضوع للمشترك، وهو الدوام على الشيء، فإذا كان أصله هذا، فمديم الطاعة قانت، وكذلك الداعي والقائم في الصلاة، والمخلص فيها، والساكت فيها، كلُّهم قانتون فاعلون له، وهذه طريقة المتأخرين من أهل العصر وما قاربه، يقصدون بها دفع الاشتراك والمجاز عن موضع اللفظ، ولا بأس بذلك إن لم يقم دليل على أن اللفظة حقيقة في معنى معين أو معانٍ، فيستعمل حيث لا يقوم دليل على ذلك.
الرابع: كلام الصحابي في التفسير لا ينزل منزلة المرفوع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه، بل يكون موقوفًا عليه، فإن كان كلامه يتعلق بسبب نزول آية، أو تعليل، ونحوهما، فهو منزل منزلة المسند المرفوع، هذا كلام المحققين في ذلك، فقول زيد بن أرقم - رضي الله عنه - في هذا يشعر بأن المراد بالقنوت كما ذكرنا تفسيره، قيل: لما دل عليه لفظة (حتى) التي للغاية، والفاء في قوله: فأمرنا، التي تشعر بتعليل ما سبق عليها لما يأتي بعدها، ولا شك أن الصحابة كانوا مشاهدين الوحي والتنزيل، ويعلمون سبب ذلك مع القرائن المحتفة بها، ما يرشدهم إلى تعيين المحتملات، وبيان المجملات، فيصيرون كأنهم ناقلون للفظ التعليل والتسبيب.
الخامس: قوله: "فأمرنا بالسكوت، ونُهينا عن الكلام"، هذا حكمه حكم المرفوع، ولا يجيء فيه الخلاف الَّذي عند المحدثين في ذلك، بدليل مشاهدة الراوي لنزول الآية، وجعلِه غايةً لترك الكلام في الصلاة، ثم الأمر بالسكوت يقتضي أن كلَّ ما يسمى كلامًا، فهو منهي عنه، وما لا يسمى كلامًا، فدلالة الحديث قاصرة عن النهي عنه.

الصفحة 568