كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 1)

الحديث الثالث
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ؛ فَإن شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّم" (¬1).
أما راوياه، فتقدم الكلامُ عليهما.
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اشتدَّ الحرُّ"، فاشتداده: قوَّتُه، وسطوعُه، وانتشارُه، وغليانُه.
وقوله: "فَأَبْرِدوا" أَيْ: أَخِّروا.
وقوله: "عن الصلاةِ"، وروي في "صحيح مسلم": "بالصلاة" -بالباء- وهما بمعنى، و (عن) تطلق بمعنى الباء؛ كما يقال: رميت عن القوس؛ أي: بها، ومنع بعض أئمة اللغة القول: رميتُ بالقوس، ونقل جوازه جماعةٌ، فيقال: رميت عن القوس، وبها، وعليها، وممن نقله عن العرب مطلقًا ابنُ الجوزي في "تفسيره" في قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [الفرقان: 25]، والله أعلم (¬2)،
ومعنى الحديث: أخروا الصلاة إلى البرد، واطلبوه لها.
وقوله: "فإنَّ شدةَ الحرِّ من فَيْح جهنمَ" روي بفتح الفاء والياء المثناة تحت، وبالحاء المهملة، وروي في غير "الصحيح": فوح -بالواو بدل الياء- (¬3)، ذكره ابن الأثير في "نهايته" (¬4)، ومعناه: أن شدة الحر وغليانه تشبه نار جهنم،
¬__________
(¬1) رواه البخاري (510)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: الإبراد بالظهر في شدة الحر، عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهما -.
- ورواه مسلم (615)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(¬2) انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي (6/ 84)، و"تفسير الطبري" (19/ 6).
(¬3) رواه الإمام أحمد في: "المسند" (3/ 52)، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، وقد روى البخاري (5394)، كتاب: الطب، باب: الحمى من فيح جهنم، عن رافع بن خديج - رضي الله عنه - مرفوعًا: قال: "الحمى من فوح جهنم، فأبردوها بالماء".
(¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 477).

الصفحة 570