كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 2)

من إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، فكيف تطلب صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - تشبه بالصلاة على إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -؟ وقد أجيب عن ذلك بوجوه:
أحدها: أن التشبيه بينهما إنما وقع في أصل الصلاة، لا في قدرها؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183]، فالتشبيه إنما وقع في أصل الصيام، لا في عينه ووقته، قال شيخنا أبو الفتح القاضي - رحمه الله -: وهذا ليس بالقوي (¬1).
الثاني: أن التشبيه إنما وقع في الصلاة على الآل، فيكون الكلام تم عند قوله: اللهم صل على محمد، ويكون منقطعًا عن التشبيه، ويكون قوله: وعلى آل محمد متصلًا بما بعده، فيكون السؤال لهم مثل ما لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وآله آل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط، وقد حكى هذا الوجه بعضُ أصحاب الشافعي عنه، قال شيخنا أبو الفتح القاضي - رحمه الله -: وفي هذا من الإشكال أن غير الأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه- لا يمكن أن يساويهم، فكيف يطلب ما لا يمكن وقوعه؟ (¬2).
الثالث: أن التشبيه إنما وقع في الصلاة مقابلة للمجموع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وآله بالمجموع من إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وآله، ومعظم الأنبياء - صلى الله عليهم وسلم - هم آل إبراهيم، فكأنه سأل مقابلة الجملة بالجملة، لا المقدار بالمقدار؛ لأنه إذا تعذر أن يكون لآل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثلُ ما لآل إبراهيم الذين هم الأتباع من الأنبياء وغيرهم، كان ما توفر من ذلك حاصلًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فيكون زائدًا على الحاصل لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، والذي يحصل من ذلك هو آثار الرحمة والرضوان، ومن كانت في حقه أكثر، كان أفضل.
الرابع: أن الأمر بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - للتكرار بالنسبة إلى كل صلاة في حق كل مصل، فإذا اقتضت في حق كل مصل حصول صلاة مساوية للصلاة على
¬__________
(¬1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 74).
(¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

الصفحة 609