كتاب العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (اسم الجزء: 2)

أما قوله: "ظلمًا كثيرًا"، فهو في معظم الروايات مضبوط بالثاء المثلثة، وفي بعض روايات مسلم: كبيرًا -بالباء الموحدة-، وكلاهما حسن، قال شيخنا العلامة أبو زكريا النووي - رحمه الله -: فينبغي أن يجمع بينهما -يعني للاحتياط على التعبد- بلفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمحافظة عليه خصوصًا في الدعاء، فيقال: ظلمًا كثيرًا كبيرًا" (¬1).
وقد احتج البخاري في "صحيحه" (¬2)، والبيهقي في "سننه" (¬3)، وغيرهما من الأئمة بهذا الحديث للدعاء آخر الصلاة، وهو استدلال حسن صحيح؛ فإن قوله: "في صلاتي" يعمُّ جميعَها، ومن مظانِّ الدعاء في الصلاة هذا الموطن، فتعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - تقريرٌ منه - صلى الله عليه وسلم - له لسؤاله وجواز العمل به، فمقتضى الحديث الأمرُ به من غير تعيين لمحل، ولو فعل فيها حيث لا يكره الدعاء فيه، جاز، لكنه يترجح فعله في موطنين: في السجود، وبعد التشهد قبل السلام؛ فإنه قد ثبت الأمر بالدعاء فيهما خصوصًا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "وليتخيرْ بعدَ ذلكَ من المسألةِ ما شاء".
قال شيخنا أبو الفتح ابن دقيق العيد الحافظ، المدقق، المحقق -رحمه الله تعالى-: ولعله يترجح كونه فيما بعد التشهد؛ لظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل (¬4).
¬__________
= عاصم (1/ 68)، و"المعجم الكبير" للطبراني (1/ 51)، و"المستدرك" للحاكم (3/ 64)، و"الثقات" لابن حبان (1/ 184)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (1/ 28)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (3/ 963)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (30/ 3)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (1/ 235)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (3/ 310)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 472)، و"تهذيب الكمال" للمزي (15/ 282)، و"تذكرة الحفاظ" للذهبي (1/ 2)، و"الوافي بالوفيات" للصفدي (17/ 163)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (4/ 169)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (5/ 276).
(¬1) انظر: "رياض الصالحين" للنووي (ص: 331).
(¬2) انظر: "صحيح البخاري" (1/ 286)، باب: الدعاء قبل السلام.
(¬3) انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (2/ 154)، باب: ما يستحب له أن لا يقصر عنه من الدعاء قبل السلام.
(¬4) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 78).

الصفحة 625