كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (اسم الجزء: 73)

وأفضل البررة، وأصبر القراء «1» ، هجّادا «2» بالأسحار، كثير الدموع عند ذكر الدار «3» ، دائب الفكر فيما يعنيه بالليل والنهار، نهاضا إلى كل مكرمة، سعّاء إلى كل منقبة، فرّارا من كل موبقة، صاحب جيش العسرة «4» ، وصاحب البئر «5» ، وختن المصطفى عليه السلام على ابنتيه، فأعقب الله من ثلبه الندامة إلى يوم القيامة. قال معاوية: فما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: رحم الله أبا الحسن، كان والله علم الهدى، وكهف التقى، ومحلّ الحجا، وطود النّدى «6» ، ونور السفر «7» في ظلم الدجى، وداعيا إلى المحجّة العظمى، وعالما بما في الصحف الأولى، وقائما بالتأويل والذكرى متعلقا بأسباب الهدى، وتاركا للجور والأذى، وحائدا عن طرقات الردى، وخير من آمن واتقى، وسيّد من تقمّص وارتدى، وأفضل من حجّ وسعى، وأسمح من عدل وسوّى، وأخطب أهل الدنيا سوى الأنبياء والمصطفى، وصاحب القبلتين، وزوج خير النساء، وأبو السّبطين، لم تر عين مثله، ولا ترى أبدا حتى القيامة واللقاء. فعلى من لعنه لعنة الله والعباد إلى اليوم القيامة.
قال معاوية: فما تقول في طلحة والزبير؟ قال: رحمة الله عليهما، كانا والله عفيفين، مسلمين، برّين، طاهرين، مطهّرين، شهيدين، عالمين بالله، لهما النصرة القديمة والصحبة الكريمة، والأفعال الجميلة- وفي حديث آخر: زلّا زلّة الله غافرها لهما.
قال: ما تقول في العباس بن عبد المطلب؟ قال: رحم الله أبا الفضل، كان والله صنو أبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقرّة عين صفي الله، لهميم «8» الأقوام، وسيّد الأعمام، قد علا بصرا بالأمور، ونظرا في العواقب «9» . علم تلاشت الأحساب عند ذكر فضيلته، وتباعدت الأنساب

الصفحة 210