كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (اسم الجزء: 73)

لما «1» لقي الرشيد هارون الفضيل بن عياض، قال له الفضيل: يا حسن الوجه، أنت المسؤول عن هذه الأمة، قال مجاهد: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ
[سورة البقرة، الآية: 166] قال: الوصل التي كانت بينهم في الدنيا، فجعل هارون يبكي.
حج «2» هارون وكان يأنس بسفيان بن عيينة، فقال لسفيان: أشتهي أن أرى الفضيل بن عياض، وأسمع كلامه، فقال له سفيان: إن علم أنك أمير المؤمنين لم ينبسط، قال: فكيف الوجه فيه؟ قال: نذهب إليه جميعا وأنت متنكر، فمضيا، فقام سفيان على الباب، فقال:
السلام عليك يا أبا علي، فقال الفضيل: من أنت؟ قال: سفيان، قال: ادخل يا أبا محمد، قال سفيان: ومن معي؟ قال: ومن معك، فدخلا، فأقبل الفضيل على سفيان فتحدثا ساعة، فقال له سفيان: يا أبا علي، هذا الفتى تعرفه؟ فنظر إليه فقال سفيان: هذا هارون أمير المؤمنين، فنظر إليه الفضيل فقال: يا حسن الوجه، قد قلّدت أمرا عظيما، فاتّق الله في نفسك. وكان هارون من أحسن الناس وجها.
قال الأصمعي «3» : بعث إلي الرشيد، وقد زخرف مجالسه وبالغ فيها وفي بنائها، وصنع فيها طعاما كثيرا، ثم وجه إلى أبي العتاهية فأتاه فقال: صف لنا ما نحن فيه من نعيم الدنيا. فأنشأ يقول «4» :
عش ما بدا لك سالما في ظلّ شاهقة القصورفقال: أحسنت، ثم ماذا؟ فقال:
يسعى عليك بما اشتهيت لدى الرواح وفي البكور
فقال: ثم ماذا؟ فقال:
فإذا النفوس تقعقعت في «5» ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غرور

الصفحة 303