كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (اسم الجزء: 73)

فأخبر بذلك الرشيد، فبكى، ودعا به، فاستحله، ووهب له ألف دينار.
خرج الرشيد في بعض متنزهاته، فانفرد من الناس على نحو ميل، فرفع له خباء مضروب، فأمّه، فإذا فيه أعرابي، فسلم عليه الرشيد، فقال له: من أنت؟ فقال: أنا من أبغض الناس إلى الناس، فقال الأعرابي: أنت إذا من معدّ، فمن أي معد؟ قال: من أبغض معد إلى معد، قال: أنت إذا من مضر، فمن أي مضر أنت؟ قال: من أبغض مضر إلى مضر، قال: أنت إذا من كنانة، فمن أي كنانة؟ قال: من أبغض كنانة إلى كنانة، قال: أنت إذا من قريش، فمن أي قريش أنت؟ قال: من أبغض قريش إلى قريش، قال: أنت إذا من بني هاشم، فمن أي بني هاشم؟ قال: من أبغض بني هاشم إلى بني هاشم، قال: أنت إذا من ولد العباس، فمن أي ولد العباس أنت؟ قال: من أبغض بني العباس إلى بني العباس، فوثب الأعرابي قائما وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وتوافت الجيوش، فقال الرشيد:
احملوه قاتله الله ما أذهنه.
قال سفيان بن عيينة «1» :
دخلت على هارون أمير المؤمنين فقال: أي شيء خبرك يا سفيان؟ فقلت:
بعين الله ما تخفي البيوت فقد طال التحمّل والسكوت
فقال: يا فلان، مئة ألف لابن عيينة، تغنيه، وتغني عقبه، ولا ينقص بيت مال المسلمين من ذلك «2» .
قال شبيب:
كنا في طريق مكة، فجاء أعرابي في يوم صائف شديد الحر، ومعه جارية له سوداء، وصحيفة، فقال: أفيكم كاتب؟ قلنا: نعم، وحضر غداؤنا، فقلنا له: لو أصبت من طعامنا، فقال: إني صائم، فقلنا له: أفي هذا الحر الشديد، وجفاء البادية تصوم؟! فقال: إن الدنيا كانت ولم أكن فيها، وتكون ولا أكون فيها، وإنما لي منها أيام قلائل، وما أحب أن أغيّر أيامي، ثم نبذ إلينا الصحيفة، فقال: اكتب، ولا تزيدن على ما أقول حرفا:

الصفحة 305