كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر (اسم الجزء: 73)

اعلموا أنه كفر بالذي دَنا فَتَدَلَّى [سورة النجم، الآية: 8] وعتبة خارج إلى الشام، فبلغ قوله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «سيرسل الله إليه كلبا من كلابه» . فخرج، ونزلوا بأرض كثيرة الأبقار، ومعهم هبار بن الأسود، فعدا عليه الأسد، فأخذ برأسه فمضغه ثم لفظه فمات، فقال هبّار: والله لقد رأيت الأسد شم رؤوس النفر رجلا رجلا حتى بلغه فأخذه، وهذا كان بالشراة من أرض الشام.
كان هبار يقول: لما ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودعا إلى الله: كنت ممن عاداه، ونصب له وآذاه، ولا يسير قرشي مسيرا لعداوة محمد صلّى الله عليه وسلّم وقتاله إلا كنت معهم، وكنت مع ذلك قد وترني محمد، قتل أخوي: زمعة وعقيلا ابني الأسود وابن أخي الحارث بن زمعة يوم بدر، فكنت أقول: لو أسلمت قريش كلها لم أسلم.
وكان «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث إلى زينب ابنته من يقدم بها «2» ، وعرض لها نفر من قريش فيهم هبّار ينخس بها وقرع ظهرها بالرمح «3» ، وكانت حاملا، فأسقطت، فردت إلى بيوت بني عبد مناف، فكان هبّار بن الأسود عظيم الجرم في الإسلام، فأهدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دمه. فكان كلما بعث سرية أوصاهم بهبار، وقال: «إن ظفرتم به فاجعلوه بين حزمتين من حطب، وحرّقوه بالنار، ثم يقول بعد: إنما يعذب بالنار رب النار، إن ظفرتم به فاقطعوا يديه، ورجليه، ثم اقتلوه»

[14339] .
قالوا: ثم قدم هبّار بعد ذلك مسلما «4» مهاجرا «5» ، فاكتنفه ناس من المسلمين يسبونه، فقيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هل لك في هبار يسب، ولا يسب. وكان هبار في الجاهلية سبابا، فأتاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا هبار، سبّ من سبّك»

[14340] فأقبل عليهم هبار، فتفرقوا عنه «6» .

الصفحة 356