كتاب مناهج البحث في اللغة

تجنبها، ولكن الكمال لله وحده، وسيجد القارئ قائمة بتصحيح هذه الأخطاء، فهو مرجو أن يطلع عليها، وأن يثبت كل تصويب منها في موضعه قبل البدء في القراءة.
وثانيتها أنني قد حددت الرموز الأصواتية المستخدمة في دراسة اللغة العربية الفصحى بين صفحتي 6، 13، ولست بحاجة إلى تحديد الرموز الأصواتية للكلمات الإنجليزية، التي وردت في منهج الدلالة؛ لأن كل مثال منها قد صاحبته كتابة الكلمة المرادة بالهجاء العادي، وهذا الهجاء يعين المراد بالكتابة الأصواتية، وقد وردت كلمات من لهجات الكرنك، وعدن والقاهرة في أثناء شرح منهج الأصوات، وكان لا بد من كتابتها بالرموز الأصواتية لهذه اللهجات، ولكن المطبعة العربية فقيرة في هذه الرموز، ولذلك عمدت إلى ما في يدي منها فعلا، فحاولت اسغلاله في كتابة هذه الكلمات، وأظن القارئ سيجد تباينا بين استخدام هذه الرموز من لهجة إلى أخرى، وهو تباين يقتضيه اختلاف النطق بين هذه اللهجات.
وأخيرا أرجو مخلصا أن تكون هذه المحاولة فاتحة محاولات أخرى في دراسة لهجاتنا العامية من جميع نواحيها، ومحاولات في التوسع في دراسة اللغة العربية الفصحى، بطرق البحث الجديدة الموضحة في هذا الكتاب، والله أسأل أن يهدينا إلى سواء السبيل، إنه نعم المولى، ونعم النصير.
تمام حسان.
حتى إن بعض هذه المحاولات، جاءت من أكثر الهيئات الثقافية محافظة على القديم وغيرة عليه، ألا وهي الأزهر، على أن هذه المحاولات قامت دائما على الذكاء، والاجتهاد الشخصيين ولم تقم على فلسفة لها عمقها في فهم اللغة. ولست أدعي لنفسي قسطا من الذكاء الشخصي، أكبر من حظ هؤلاء الذين قاموا بهذه المحاولات، بل إنني لا أسمح لنفسي -وهم أساتذتي الأجلاء- أن أساوي ذكائي بذكائهم الذي أشهد لهم به، ولكنني لا أستطيع أن أغمط حق النظرية، التي بنيت عليها هذه الدراسة، وهي نظرية جاءت نتيجة تجارب القرون في الغرب، فهيكلها غربي، وتطبيقها على اللغة العربية هو القسط الذي أنا مسئول عنه في هذا الكتاب.
ولقد جئت في هذا الكتاب بشرح مناهج الفروع الرئيسية في الدراسات اللغوية، وكم كنت أود أن يتسع الزمان، والمكان لدراسة فصول ثلاثة أخرى هي:
1- التركيب والتحليل في اللغة.
2- المستوى الصوابي والمجتمع اللغوي.
3- الأبجدية "وظيفتها وتاريخها وإصلاحها"، ولعل المستقبل كفيل بأن أخصص لهذه الفصول الثلاثة مجلدا مستقلا، أقوم فيه على شرحها.
ويقوم تطبيق النظرية في هذا الكتاب على اللغة العربية الفصحى أولا، وقبل كل شيء، وحين يقضي المقام بالتمثيل من اللهجات العامية، يجد القارئ أن معظم الأمثلة، قد جاءت من لهجة الكرنك بمديرية قنا، وقد درستها لرسالتي التي حصلت بها على الماجستير من جامعة لندن، ولهجة عدن في جنوب بلاد العرب، وقد حصلت بدراستها على الدكتوراه من نفس الجامعة، فأما ما عدا ذلك من ذكر لهجات أخرى، فأمثلته مقتبسة من بطون المراجع، أو من ذاكرتي السمعية.
وتبدو الحاجة ملحة في أيامنا هذه إلى بناء الدراسات اللغوية على منهج له فلسفته، وتجاربه إراء للروح العلمية الخالصة من جهة، وتوفيرًا لجهود عشاق اللغة من جهة أخرى، فقارئ اللغة العربية في الوقت الحاضر، يجد نفسه أمام أمشاج من الأفكار غير المتناسبة يأتي بعضها من المنطق، وبعضها الآخر من الميتافيزيقا، وبعض ثالث من الأساطير، ورابع من الدين وهلم جرا، ومن هنا كانت الرغبة ملحة إلى تخليص منهج اللغة من هذه العدوى، حتى يسلم لقارئ اللغة نص في اللغة واللغة فحسب، غير

الصفحة 5