كتاب جامع بيان العلم وفضله (اسم الجزء: 1)

1446 - وَذَكَرَ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ، قَاضِي الْبَصْرَةِ وَمُفْتِيهَا أَنَّهُ قَالَ فِي §نَفَقَةِ الْوَلَدِ الْبَالِغِ الْمُدْرِكِ: «إِنَّهُ لَا تَلْزَمُ الْوَالِدَ» قِيلَ لَهُ: أَفَيُعْطِيهِمُ الْوَالِدُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ؟ قَالَ: «إِنَّمَا قَوْلِي لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ رَأْيٌ وَلَا أَدْرِي لَعَلَّهَ خَطَأٌ أَوَ أَكْرَهُ أَنْ يُغَرِّرَ بِزَكَاتِهِ فَيُعْطِيَهَا وَلَدَهُ الْكَبِيرَ وَهُوَ يَجِدُ مَوْضِعًا لَا شَكَّ فِيهِ»
1447 - وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ، نا ابْنُ أَبِي دُلَيْمٍ، قَالَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، نا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " سُئِلَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: §«إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ رَبِّي أَنْ أَقُولَ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْيِي»

1448 - وَقَالَ عَطَاءٌ: " وَأَضْعَفُ الْعِلْمِ أَيْضًا عِلْمُ النَّظَرِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: رَأَيْتُ فُلَانًا يَفْعَلُ كَذَا وَلَعَلَّهُ قَدْ فَعَلَهُ سَاهِيًا"

1449 - وَمِنْ فَصْلٍ لِابْنِ الْمُقَفَّعِ فِي الْيَتِيمَةِ قَالَ: " -[779]- وَلَعَمْرِي: إِنَّ لِقَوْلِهِمْ: لَيْسَ الدِّينُ خُصُومَةً أَصْلًا يُثْبِتُ وَصَدَقُوا مَا لِدِينٍ بِخُصُومَةٍ وَلَوْ كَانَ خُصُومَةً لَكَانَ مَوْكُولًا إِلَى النَّاسِ يُثْبِتُونَهُ بِآرَائِهِمْ وَظَنِّهِمْ وَكُلُّ مَوْكُولٍ إِلَى النَّاسِ رَهِينَةُ ضَيَاعٍ وَمَا يُنْقَمُ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ إِلَّا أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا الدِّينَ رَأْيًا وَلَيْسَ الرَّأْيُ ثِقَةً وَلَا حَتْمًا وَلَمْ يُجَاوِزِ الرَّأْيُ مَنْزِلَةَ الشَّكِّ وَالظَّنِّ إِلَّا قَرِيبًا وَلَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ يَقِينًا وَلَا ثَبْتًا وَلَسْتُمْ سَامِعِينَ أَحَدًا يَقُولُ لِأَمْرٍ قَدِ اسْتَيْقَنَهُ وَعَلِمَهُ: أَرَى أَنَّهُ كَذَا وَكَذَا فَلَا أَحَدَ أَشَدُّ اسْتِخْفَافًا بِدِينِهِ مِمَّنِ اتَّخَذَ رَأْيَهُ وَرَأْيَ الرِّجَالِ دِينًا مَفْرُوضًا"

1450 - قَالَ أَبُو عُمَرَ: " إِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَشَارَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ فِي قَوْلِهِ:
[البحر الوافر]
فَأَتْرُكُ مَا عَلِمْتُ لِرَأْيِ غَيْرِي ... وَلَيْسَ الرَّأْيُ كَالْعِلْمِ الْيَقِينِي
وَهِيَ أَبْيَاتٌ كَثِيرَةٌ أَنْشَدَهَا مُصْعَبٌ ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ أَنَّهُ شِعْرُهُ وَسَنَذْكُرُ الْأَبْيَاتَ بِتَمَامِهَا فِي بَابِ مَا تُكْرَهُ فِيهِ الْمُنَاظَرَةُ وَالْجِدَالُ فِي هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ مُتَقَدِّمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَسَلَفِهَا خِلَافًا أَنَّ الرَّأْيَ لَيْسَ بِعِلْمٍ حَقِيقَةً وَأَفْضَلُ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ فِي الرَّأْيِ أَنَّهُمْ قَالُوا:

1451 - نِعْمَ وَزِيرُ الْعِلْمِ الرَّأْيُ الْحَسَنُ،

1452 - وَقَالُوا: أَبْقَى الْكِتَابُ مَوْضِعًا لِلسُّنَّةِ , وَأَبْقَتِ السُّنَّةُ مَوْضِعًا لِلرِّأْيِ الْحَسَنِ. قَالَ أَبُو عُمَرُ: " وَأَمَّا أُصُولُ الْعِلْمِ فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَتَنْقَسِمُ السُّنَّةُ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا تَنْقِلُهُ الْكَافَّةُ عَنِ الْكَافَّةِ فَهَذَا مِنَ الْحُجَجِ الْقَاطِعَةِ لِلْأَعْذَارِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ هُنَالِكَ -[780]- خِلَافٌ وَمَنْ رَدَّ إِجْمَ‍اعَهُمْ فَقَدْ رَدَّ نَصًّا مِنْ نُصُوصِ اللَّهِ يَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ عَلَيْهِ وَإِرَاقَةُ دَمِهِ إِنْ لَمْ يَتُبْ؛ لِخُرُوجِهِ عَمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ الْعُدُولُ وَسُلُوكِهِ غَيْرَ سَبِيلِ جَمِيعِهِمْ وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنَ السُّنَّةِ أَخْبَارُ الْآحَادِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ الْعُدُولِ وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ الْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ مِنْهَا يُوجِبُ الْعَمَلَ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ هُمُ الْحُجَّةُ وَالْقُدْوَةُ وَلِذَلِكَ مُرْسَلُ السَّالِمِ الثِّقَةِ الْعَدْلِ يُوجِبُ الْعَمَلَ أَيْضًا وَالْحُكْمَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا وَلِلْكَلَامِ فِي ذَلِكَ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا"

الصفحة 778