كتاب جامع بيان العلم وفضله (اسم الجزء: 2)

وَهَذَا التَّقْسِيمُ فِي الْعُلُومِ كَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْفَلْسَفَةِ إِلَّا أَنَّ الْعِلْمَ الْأَعْلَى عِنْدَهُمْ هُوَ عِلْمُ الْقِيَاسِ فِي الْعُلُومِ الْعُلْوِيَّةِ الَّتِي تَرْتَفِعُ عَنِ الطَّبِيعَةِ وَالْفَلَكِ مِثْلَ الْكَلَامِ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ وَزَمَانِهِ وَالتَّشْبِيهِ وَنَفْيِهِ وَأُمُورٍ لَا يُدْرَكُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالْمُشَاهَدَةِ وَلَا بِالْحَوَاسِّ، قَدْ أَغْنَتْ عَنِ الْكَلَامِ فِيهَا كُتُبُ اللَّهِ النَّاطِقَةُ بِالْحَقِّ الْمُنَزَّلَةُ بِالصِّدْقِ وَمَا صَحَّ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ الْعِلْمُ الْأَوْسَطُ وَالْأَسْفَلُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ إِلَّا أَنَّ الْعِلْمَ الْأَوْسَطَ يَنْقَسِمُ عِنْدَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ هِيَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ رُءُوسَ الْعُلُومِ، وَهِيَ عِلْمُ الْحِسَابِ وَالتَّنْجِيمِ وَالطِّبِّ وَعِلْمُ الْمُوسِيقَى وَمَعْنَاهُ تَأْلِيفُ اللُّحُونِ وَتَعْدِيلُ الْأَصْوَاتِ وَرَنُّ الْأَنْقَارِ وَأَحْكَامُ صُنُوفِ الْمَلَاهِي أَمَّا عِلْمُ الْمُوسِيقَى وَاللَّهْوِ فَمُطَّرَحٌ وَمَنْبُوذٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَدْيَانِ عَلَى شَرَائِطِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَأَمَّا عِلْمُ الْحِسَابِ فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ مِنْهُ مَعْرِفَةُ الْعَدَدِ وَالضَّرْبِ وَالْقِسْمَةِ وَالتَّسْمِيَةِ وَإِخْرَاجِ الْجُذُورِ وَمَعْرِفَةِ جُمَلِ الْأَعْدَادِ وَمَعْنَى الْخَطِّ وَالدَّائِرَةِ وَالنُّقْطَةِ وَإِخْرَاجِ الْأَشْكَالِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَهُوَ عِلْمٌ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ لِفَرَائِضِ الْمُوَارِيثِ وَالْوَصَايَا وَمَوْتٍ بَعْدَ مَوْتٍ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَالْحَجِّ وَأَحْوَالِ الزَّكَوَاتِ وَمَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ مِنَ الْبَيَاعَاتِ وَعَدَدِ السِّنِينَ وَالدُّهُورِ وَمُرُورِ الْأَعْوَامِ وَالشُّهُورِ وَسَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَنَازِلِ الْقَمَرِ وَمَطَالِعِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْأَنْوَاءَ وَسُقُوطِهَا وَمَسِيرِ الدَّرَارِيِّ وَمَطَالِعِ الْبُرُوجِ وَسِنِيِّ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. ثُمَّ الْإِغْرَاقِ فِي عِلْمِ الْحِسَابِ رُبَّمَا آلَ بِصَاحِبِهِ إِلَى عِلْمِ الْقَضَاءِ بِالتَّنْجِيمِ، وَهُوَ عِلْمٌ

الصفحة 790