كتاب تفسير الإمام الشافعي

الشرك، ليعلمهم أن لا ديات لهم ولا قَوَد، وقد يكون هذا قبل نزول الآية، فنزلت الآية بعد، ويكون إنما قال: إني بريء من كل مسلم مع مشرك بنزول الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي التنزيل كفاية عن التأويل؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ إذ حكم في الآية الأولى في المؤمن يقتل خطأ بالدية والكفارة، وحكم بمثل ذلك في الآية بعدها في الذي بيننا وبينه ميثاق، وقال بين هذين الحُكْمين: (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية.
ولم يذكر دية، ولم تحتمل الآية معنى إلا أن يكون قوله: (مِنْ قَوْمٍ)
يعني: في قوم عدو لنا، دارهم دار حرب مباحة، فلما كانت مباحة، وكان من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن إذا بلغت
الناسَ الدعوةُ أن يغير عليهم غارين (1) ، كان في ذلك دليل على لأنَّه لا يبيح
الغارة على دار وفيها من له إن قتل عقل أو قود؛ فكان هذا حكم الله عز ذكره.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجوز أن يقال لرجل من قوم عدو لكم إلا في
قوم عدو لنا.
الأم (أيضاً) : ديات الخطأ (ديات الرجال الأحرار المسلمين) :
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال الله - عزَّ وجلَّ -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا)
فأحكم الله تبارك وتعالى في تنزيل كتابه، أن على قاتل المؤمن دية مسلمة إلى
أهله، وأبان على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - كم الدية؛ فكان نقل عدد من أهل العلم عن عدد لا تنازع بينهم، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بدية المسلم مائة من الإبل، فكان
__________
(1) أي: وهم غافلون، مفردها: غار، انظر القاموس المحيط ص / 578.

الصفحة 635