كتاب الفروق الفقهية والأصولية

هذه الدعوى يخدشها وينقضها استعمالات القرآن الكريم. قال تعالى: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ) (¬1).
فخفف في البحر، وهو جسم، وقال تعالى: (فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (¬2)، فخفف في ذلك، مع أنه في الأجسام.
الفروق في الاصطلاح:
لم أجد للفقهاء الذين تكلموا عن الفروق، تعريفاً لها، أو بياناً لمعناها، وإن كان بعضهم قد أشار إلى العلم نفسه، وذكر ما يشبه التعريف له، كما سنعلم ذلك فيما بعد.
ويغلب على الظن أنهمي قصدون بالفروق وجوه الاختلاف بين الفروع الفقهية التي يشبه بعضها بعضاً في الصورة، ولكنها تختلف فيما بينها في الأحكام. وقد تكلم الأصوليون والجدليون عن الفروق كثيراً، إذ هي من الأمور المتفرعة عن مباحث القياس عندهم، فالفروق من قوادح العلة، المانعة من جريان حكمها في الفرع (¬3). ولهذا فإن تعريف الفروق الفقهية ينبغي أن يبحث عنه في هذه المواضع، أي مباحث العلة في القياس. وقد
¬__________
(¬1) سورة البقرة آية 50.
(¬2) سورة المائدة آية: 25.
(¬3) اختلفت آراء العلماء في بيان عدد ما يقدح بالعلة، فمنهم من ذكر خمسة وعشرين قادحاً كالآمدي (ت 631 هـ)، وابن الحاجب (ت 646 هـ)، ومنهم من اقتصر على ذكر ثمانية عوارض كإمام الحرمين (ت 478 هـ)، ومنهم من جعلها خمسة كفخر الدين الرازي (ت 606 هـ)، ومنهم من اتجه إلى غير ذلك.
انظر: الإحكام للآمدي (4/ 69) وما بعدها، ومختصر المنتهى الأصولي لابن الحاجب (2/ 257) والمحصول للرازي (2/ 360) وما بعدها، ومنهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي ص (156) وما بعدها، وروضة الناظر لابن قدامة ص (339) وما بعدها ..

الصفحة 13