كتاب الأسهم - حكمها وآثارها

بالعرايا بالنص، فلا يجوز العدول به إلى غيره، ولذلك قال زيد بن ثابت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخَّصَ بعد ذلك في بيع العرية بالرطب أو بالتمر، ولم يرخص في غير ذلك (¬1).
ومع ذلك لم يجوِّز المفاضلة المتيقَّنة؛ بل سَوَّغَ المساواة بالخرص في القليل الذي تدعو إليه الحاجة (¬2).
بخلاف المساهمة والاستثمار في هذه الشركات؛ فالحاجة فيه إن وجدت فهي يسيرة لا تستدعي هذا القياس؛ وذلك لتعدد مجالات استثمار المال وطرق تنميته.
وأما النقل المذكور عن شيخ الإسلام، فهو من أبعد ما يكون عن هذه المسألة، وهو تحميل لقوله بما لا يحتمله، ولا يقوله رحمه الله؛ فإنَّه بَيِّنٌ أن الحاجة راجحة، وهي غير موجودة هنا، وبَيِّنٌ أن هذا الكلام يكون فيما فيه نوع غرر، لا فيما خالطه الربا المجمع على تحريمه، وشاع فيه؛ بل شدَّد في كل ما فيه ربا تشديدا بَيِّنًا لا يحتمل التأويل، كما شدد فيه القرآن، فقال رحمه الله: "وأكل المال بالباطل في المعاوضة نوعان ذكرهما الله في كتابه هما: الربا والميْسِر؛ فذكر تحريم الربا الذي هو ضِدُّ الصَّدقة في آخر "سورة البقرة" و "سورة آل عمران" و "الروم" و "المدثر". وذم اليهود عليه في "سورة النساء" وذكر تحريم الميسر في "سورة المائدة".
وقال: "وأما الربا: فتحريمه في القرآن أشد، ولهذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، وذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكبائر كما
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 763 كتاب البيوع/ باب بيع المزابنة رقم 2072، ومسلم في صحيحه 3/ 1168، كتاب البيوع/ باب تحريم بيع الرطب بالتمر في العرايا رقم 1536.
(¬2) مجموع الفتاوى 29/ 26.

الصفحة 34