كتاب أدب الموعظة

3- لين الجانب، وبسط الوجه، والإحسان إلى الناس: فالناس يحبون لين الجانب، ولا يكلمها إلا من عل.
ومن الوسائل التي لها أثر في تألف الجاهلين أو المفسدين، وتهيئتهم إلى قبول الإصلاح- بسط المعروف في وجوههم، والإحسان إليهم بأي نوع من أنواع الإحسان، وإرضاؤهم بشيء من متاع هذه الحياة الدنيا؛ فإن مواجهتهم بالجميل، ومصافحتهم براحة كريمة- قد يعطف قلوبهم نحو الداعي، ويمهد السبيل لقبول ما يعرضه من النصيحة.
والنفوس مطبوعة على مصافاة من يلبسها نعمة، ويفيض عليها خيرا.
والمثل هذه الحكمة ذكر الله في القرآن من مصارف الزكاة صنف المؤلفة قلوبهم.
وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يؤثر بعض حديثي العهد بالإسلام يجانب من المال؛ للاحتفاظ ببقائهم على الهداية، يفعل ذلك حيث يظهر له أن إيمانهم لم يرسخ في قلوبهم رسوخ ما لا تزلزله الفتن.
وإلى أمثال هؤلاء أشار- عليه الصلاة وسلام- بقوله: "إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه؛ خشية أن يكبه الله في النار". 1
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: "كما كان إعطاؤه- صلى الله عليه وسلم- المؤلفة قلوبهم مأمورا به في حقه وجوبا أو استحبابا، وإن لم يكن مأمورا به لأحد.
كما كان مزاحه مع من يمزح معه من الأعراب والنساء والصبيان؛ تطييبا القلوبهم، وتفريحا لهم- مستحبا في حقه يثاب عليه وإن لم يكن أولئك
__________
1 - رواه البخاري [27 و 1478] ، ومسلم [150] .

الصفحة 15