كتاب أدب الموعظة

مأمورين بالمزاح معه، ولا منهيين عنه.
فالنبي- صلى الله عليه وسلم- يبذل للنفوس من الأموال والمنافع ما يتألفها به على الحق المأمور به، ويكون المبذول مما يلتذ به الآخذ ويحبه؛ لأن ذلك وسيلة إلى غيره".1
ولهذا يحسن بالواعظ أن يكون لين العريكة, وممن يألف ويؤلف, وألا يكون جافي الطبع, قاسي القلب, متعاليا على السامعين.
ويجدر به أن يترفع عن العبارات المشعرة بتعظيم النفس, كحال من يكثر من إدارج ضمير المتكلم"أنا" أو ما يقوم مقامه كأن يقوم "في رأيي",أو "حسب خبرتي",أو"هذا ترجيحنا", أو "هذا ما توصلنا إليه".
ومن ذلك أن يكرر كلمة:"نقول"و "قلنا", ونحو ذلك من العبارات الفجة التي تنم عن نقص وغرور, خصوصا إذا صدرت ممن ليس له مكانة.
فهذا كله مجلبة لتباعد الأنفس, وتناكر الأرواح, وقلة التأثير.
ولدلا من ذلك يحسن به أن يستعمل الصيغ التي توحي بالتواضع, وعزو العلم لأصحابه, كأن يقول:"ويبدو للمتأمل كذا وكذا",أو يقول:"ولعل الصواب أن يقال: كذا وكذا" ونحو ذلك من العبارات المشعرة بالتواضع, واهتضام النفس.
قال ابن المقفع: "تحفظ في مجلسك وكلامك من التطاول على الأصحاب, وطب نفسا عن كثير مما يعرض لك فيه صواب القول والرأي؛ مدارة؛ لئلا
__________
1 - الاستقامة لا بن تيمية 2/155.

الصفحة 16