كتاب أدب الموعظة

يلحق وكما أن من سكت لا يكاد يندم كذلك من نطق لا يكاد يسلم.
والعجل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرب، ويذم بعد ما يحمد، ويعزم قبل أن يفكر، ويمضي قبل أن يعزم.
والعجل تصحبه الندامة، وتعتزمة السلامة، وكانت العرب تكنّى العجلة أم الندامات1.
وذكر بسنده عن عمر بن حبيب قال: "كان يقال: لا يوجد العجول محمودا، ولا الغضوب مسرورا، ولا الحر حريصا، ولا الكريم حسودا، ولا الشره غنيا، ولا الملول ذا إخوان"2.
ولهذا تتابعت نصائح الحكماء على التريث خصوصا عند إرادة الإقدام على مواقع الخطر، قال المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس مرة ... حازت من العلياء كل مكان3
وقال:
وكل شجاعة في المرء تغني ... ولا مثل الشجاعة في الحكيم4
25ـ التمهيد والتدرج في العرض: مثال ذلك أن يقصد الواعظ إلى أمر فيه مشقة، فيضع أمامه تمهيدا يخفف وقعه، ويقلل شأنه، حتى لا تكبره النفوس، وترتخي دونه العزائم خورا.
ومثال هذا ما سلكه التنزيل في التكليف بفريضة الصيام؛ حيث شرعه أولا
__________
1 روضة العقلاء، ص216.
2 روضة العقلاء، ص 217.
3 ديوان المتنبي بشرح العكبري4/174.
4 ديوان المتنبي4/120.

الصفحة 59