كتاب أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين جمعا ودراسة
به، وإنما رأيت بعضهم يستدل بأدلة يثبت بها سماعًا لهم في الجملة" (¬١).
وأما القول الثاني، وهو أنهم يسمعون في الجملة، أي: في وقت دون وقت، وحال دون حال، فإنه وإن لم يكن بعيدًا عن هذا القول -الذي تقدم ترجيحه- إلا أنه جعل السماع أصلًا، والأولى مراعاة ما ورد من النصوص في ذلك، فحيث جاءت الآيات واضحة في نفي السماع مطلقًا - {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} و {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} - ولم يرد مثل ذلك في الإثبات، تعيَّن القول: بأن الأصل عدم السماع، وما ورد من الإثبات في ذلك فهو مخصِّصٌ له، والله أعلم.
وقد يكون مراد بعضهم بقوله: إنهم يسمعون في الجملة، أي: فيما ورد الدليل بإثباته، وهذا ما عبر به الآلوسي رحَمه اللهُ حيث قال: "والحق أن الموتى يسمعون في الجملة ... فيقتصر على القول: بسماع ما ورد السمع بسماعه" (¬٢).
وعلى هذا، يكون الخلاف مع من كان هذا مراده لفظيًا، مع عدم الموافقة على هذا مثل هذا التعبير، لما فيه من الإيهام، فقد يُفهم منه أن الأصل هو السماع، أي: أنهم يسمعون في غالب أحوالهم، ولا يخفى ما في هذا من قلب الحقائق (¬٣)، والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
---------------
(¬١) الآيات البينات (٣٧).
(¬٢) روح المعاني (٢١/ ٥٧ - ٥٨)، وانظر: الآيات البينات (٤٠).
(¬٣) انظر كلام الألباني ص (٧٠٥) من هذا البحث.