كتاب تعظيم الفتيا - ابن الجوزي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فضلنا على الأمم بغزارة العلوم، ورزقنا ما لم يرزقهم من قوة الفهوم، وصلى الله على نبينا محمدٍ البالغ من الشرف أقصى المبروم، وعلى أصحابه وأتباعه صلاة تدوم، أما بعد:
فان الله عز وجل من علينا بالقرآن وحفظه من تبديل وتحريف، وبالسنة التي أنشأ لها علماء يحرسونها عن تجزيف، وباستخراج الفقه منهما وهو العلم الشريف، غير أنه لا يحصل إلا لمن حفظ القرآن والسنة ورزق الفهم اللطيف، وقد كان علماء السلف لا ينصبون أنفسهم للفتوى إلا بعد استكمال شروطها، فكانوا يحفظون القرآن، ويعرفون ناسخه من منسوخه، ومحكمه من متشابهه، وخاصه من عامه، ويوغلون في علومه ويحفظون اللغة العربية والأحاديث المروية، وينظرون في عدالة نقلتها؛ فيميزون صحيحها من سقيمها، وناسخها من منسوخها، ويوغلون في علومٍ لا تلزم لخوف أن تتعلق بما يلزم.
١- أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق، أنا محمد بن مرزوق الزعفراني، ⦗٥٢⦘ أنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابتٍ الخطيب، أنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي وعلي بن أبي علي البصري قالا: أنا علي بن عبد العزيز البرذعي، نا عبد الرحمن بن أبي حاتمٍ، نا أبي، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى قال: قال محمد بن إدريس الشافعي (رحمه الله) : ((الأصل: القرآن والسنة، فان لم يكن، فقياسٌ عليهما، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح الإسناد منه: فهو سنة، والإجماع
⦗٦٠⦘
أكبر من الخبر المنفرد، [والحديث على ظاهره، وإذا احتمل المعاني: فما أشبه منها ظاهر الأحاديث أولاها به] ، وإذا تكافأت الأحاديث، فأصحها ⦗٦١⦘ -إسناداً- أولاها، وليس المنقطع بشيءٍ ما عدا منقطع ابن المسيب.

الصفحة 51