كتاب الإيضاح في مناسك الحج والعمرة

تجديد لذكرى فداء الله تعالى إسماعيل بكبش من الجنة، حينما أراد والده إبراهيم عليهما السلام ذبحه امتثالاً لأمر الله تعالى (¬1).
وطوافهم بالبيت تعظيم له لكونه رفع على قواعد الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام.
¬__________
(¬1) أي لا لمجرد الرؤيا المنامية فقط لأنه لو كان فعل الذبح لمجرد أن إبراهيم عليه السلام رأى نفسه وابنه إسماعيل عليه السلام في المنام على هيئة الذابح الذي أضطجع ذبيحته ومر عليها بسكينه ما صحّ لإبراهيم عليه السلام أن يقدم على فعلة الذبح الخطيرة التي تعد من أكبر الكبائر، ومما يؤيد هذا القول جواب إسماعيل عليه السلام الذي أجاب به أباه حينما قصّ عليه أنه رأى في المنام أنه يذبحه {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] فإنه يشير إشارة قوية إلى أن تلك الرؤيا كانت مشتملة على أمر وتكليف بذلك الذبح، وقول آخر: إن فعل الذبح للرؤيا فقط لأن رؤيا الأنبياء عليهم السلام حق ليس فيها شيء من آثار تخليط الشيطان وتلبيسه، لأن الله تعالى عصمهم في جميع أحوالهم من كيد الشيطان وحصنهم من وساوسه.
فإن قيل: ما الحكمة في أن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح إسماعيل عليه السلام؟
أجيب: بأن الخليل عليه السلام سأل ربه أن يهب له ولداً من الصالحين {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)} [الصافات: 100] فأجاب الله دعاءه ووهبه الولد على كبره وشيخوخته، ففرح به وأخذ الولد منزلته من قلبه فأراد الله أن يحفظ على إبراهيم مقام الخلة الخطيرة الشأن وأن يطهر قلبه من التعلق بغيره تعالى وأن يظهر للناس بقاءه على مقام الخلة فأمره بذبح هذا الولد الذي أخذ شعبة من قلبه ليخلص هذا القلب السليم الطاهر لربه، وليكون حقيقاً بهذه المنحة العظمى والنعمة الكبرى نعمة الخلة لله عز وجل كما قال تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء: 125] فبادر الخليل عليه السلام وامتثل أمر ربه وشرع في وسائل الذبح ومقدماته {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)} [الصافات: 103] ووقع ما أراد الله وهو تحقيق العزم الصادق من الخليل وناداه سبحانه بقوله: {يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)} [الصافات: 103 - 106] وفدى الله إسماعيل بكبش من الجنة يذبح مكانه {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} [الصافات: 107] وجعل هذه الشعيرة سنة باقية في عقب إبراهيم وأتباعه يذبحون أيام النحر ويجدون ذكرى هذا الذبح العظيم ويضحون في سبيل الله ما يشترونه بحرّ أموالهم.

الصفحة 32