كتاب الإيضاح في مناسك الحج والعمرة

السفَر والخَلِيفَةُ في الأَهْلِ وَالمَالِ، اللَّهُم إنَا نَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَر وَكَآبةِ المُنْقَلَبِ (¬1) وَسُوء المَنْظَرِ في الأَهْلِ وَالمَالِ والْوَلَدِ، لِلْحدِيثِ الصَّحيح في ذلك.
الثامنة عشرة: يُسْتَحَب إِكْثَارُ السَّيْرِ في اللَّيْلِ لِحَدِيثِ أَنسٍ (¬2) أن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "عَلَيْكُم بالدُّلْجَة (¬3) فَإِن الأَرْضَ تُطْوَى باللَيْلِ" (¬4).
وَيُسْتَحَبُّ أنْ يرِيحَ دَابتَهُ بالنُّزُولِ عَنْهَا غُدْوَةً (¬5) وَعَشِيةً وَعِنْدَ كُلِّ عَقَبة
¬__________
(¬1) قال في الحاشية: ويزيد بعد قوله: (وكآبة المُنْقَلَب): (والحَوْر بعد الكور، ودعوة المظلوم) ثم قال: (ووعثاء السفر بالمد شدته، والكآبة بالمد أيضاً تغير النفس مِن حزن ونحوه، والحور بمهملتين: النقص والتأخر، والكور بالراء من تكوير العمامة أي لفها وجمعها. ورواه مسلم وغيره بالنون مصدر "كان" إذا وجد واستقر، وهو الأكثر: الرجوع من الاستقامة أو الزيادة إلى النقص. كذا نقل تفسير هذه الثلاثة عن العلماء، وفيه وقفة إذْ يصير المعنى عليه: وأعوذ بك من النقص بعد الرجوع إلى النقص، فالوجه أنْ يقال: المراد بالكور هنا نفس الاستقامة أو الزيادة، لا الرجوع منها، ليلتئم المعنى.
ثم رأيت ابن خليل ذكر نحو ذلك فقال: والكور التقدم والزيادة والكون من قولهم كان فلان على حالة جميلة فحار عنها أي رجع، وقولهم حار بعدما كان. اهـ.
أقول: فيكون معنى (الحور بعد الكور) بالراء، النقص بعد الزيادة، ومعنى (الحور بعد الكون) بالنون الرجوع من الحالة الجميلة إلى الحالة القبيحة. والله أعلم.
(¬2) رواه أبو داود والحاكم وصححه.
(¬3) الدُلْجة: بضم الدال فسكون أو بفتحتين، قال في الصحاح: السيْر في أول الليل وآخره.
(¬4) أي طَيَّاً حقيقياً يكرم الله به مَنْ أتى بهذا الأدب امتثالاً لذلك، إذ في رواية: "عليك بالدلجة، فإن لله ملائكة موكلين يطوون الأرض للمسافر كما تطوى القراطيس".
(¬5) دليله حديث البيهقي رحمه الله تعالى: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر مضى وناقته تُقاد.

الصفحة 64