كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

علمنا بها (¬1) ظاهرًا أنه لولا صدق المدعي لدفع المدعى عليه دعواه باليمين؟ فلما نَكَلَ عنها كان نكوله قرينة ظاهرة، دالة على صدق المدعي، فقدمت (¬2) على أصل براءة الذمة.
وكثير من القرائن والأمارات أقوى من النكول، والحس شاهد بذلك، فكيف يسوغ تعطيل شهادتها؟
ومن ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الزبير أن يقرر عَمَّ حُيَىّ بن أخطب (¬3) بالعذاب على إخراج المال الذي غَيَّبه، وادعى نفاده. فقال له: "العَهْدُ قَريبٌ، وَالمَالُ أَكْثر مِنْ ذَلِكَ" (¬4) فهاتان قرينتان في غاية القوة: كثرة المال، وقصر المدة التي يُنفق كله فيها.
وشرح ذلك: أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أجلى بني النضير من المدينة، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم، غير الحلقة والسلاح، وكان لأبي الحُقَيق (¬5) مال عظيم - بلغ مسك (¬6) ثور من ذهب وحلي - فلما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
¬__________
(¬1) في "ب": "علمناها".
(¬2) في "ب" و"جـ": "فتقدمت".
(¬3) اسمه "سَعْية" كما في رواية أبي داود (2990) (8/ 238). وفي فتوح البلدان للبلاذري (37): "سيعة بن عمرو".
(¬4) سيأتي تخريجه قريبًا.
(¬5) هكذا في النسخ جميعها "لأبي الحقيق"، والصواب: ابن أبي الحُقَيق. كما سيذكره ابن القيم وكما هو مثبت في كتب السنة التي روت ذلك. وسيأتي ذكرها عند تخريج الحديث.
(¬6) المسك: الجلد. انظر: المصباح المنير (573)، والقاموس (1230)، جامع =

الصفحة 14