كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

وأضعاف أضعاف هذه المسائل، مما جرى العمل فيه على العرف (¬1) والعادة (¬2)، ونزل ذلك منزلة النطق الصريح، اكتفاء بشاهد الحال عن صريح المقال.

والمقصود: أن الشريعة لا ترد حقًّا, ولا تكذب دليلًا، ولا تبطل أمارة صحيحة، وقد أمر الله سبحانه بالتثبت والتبين (¬3) في خبر الفاسق، ولم يأمر برده جملة (¬4). فإن الكافر والفاسق قد يقوم على خبره شواهد الصدق، فيجب قبوله والعمل به، وقد استأجر النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر الهجرة دليلًا مُشْرِكًا (¬5) على دين قومه، فأمنه، ودفع إليه راحلته (¬6). فلا يجوز لحاكم ولا لوالٍ رد الحق بعد ما تبين، وظهرت
¬__________
= (2/ 132).
(¬1) العرف: بضم العين وسكون الراء وهو في الاصطلاح: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول وتلقته الطبائع بالقبول. التعريفات (193). وانظر: رسائل ابن عابدين (2/ 112)، الكليات (617).
(¬2) العَوْد هو: تثنية الأمر عودًا بعد بدء. وفي الاصطلاح: هو ما استمر الناس عليه على حكم العقول وعادوا إليه مرة بعد أخرى. التعريفات (193)، الكليات (617).
(¬3) "التبين" ساقط من "جـ".
(¬4) في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} [الحجرات: 6].
(¬5) واسمه عبد الله بن أريقط. كما جاء مصرحًا به في رواية ابن سعد (1/ 177)، والحاكم (3/ 8) وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".
(¬6) البخاري رقم (2263) (4/ 517) ورقم (3905) (7/ 271) مع الفتح.

الصفحة 63