كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
المحق من المبطل، وأوصل الحقوق إلى أهلها.
فهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، أتته امرأة فشكرت عنده زوجها وقالت: هو من خير أهل الدنيا، يقوم الليل حتى الصباح، ويصوم النهار حتى يمسي، ثم أدركها الحياء، فقال: "جزاك الله خيرًا فقد أحسنت الثناء". فلما ولت قال كعب بن سُور: يا أمير المؤمنين، لقد أبلغت إليك في الشكوى، فقال: وما اشتكت؟ قال: زوجَها. قال: عليَّ بهما. فقال لكعب: اقض بينهما، قال: أقضي وأنت شاهد؟ قال: إنك قد فطنت إلى ما لم أفطن له قال: إن الله تعالى يقول: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] صم ثلاثة أيام، وأفطر عندها يومًا، وقم ثلاث ليال، وبت عندها ليلة، فقال عمر: "هذا أعجب إليَّ (¬1) من الأول" فبعثه قاضيًا لأهل البصرة (¬2) فكان يقع له في الحكومة من الفراسة أمور عجيبة. وكذلك شريح في فراسته وفطنته.
قال الشعبي: شهدت شريحًا وجاءته امرأة - تخاصم رجلًا - فأرسلت عينيها وبكت. فقلت: يا أبا أمية، ما أظن هذه البائسة (¬3) إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إن إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاءً
¬__________
(¬1) "إليَّ" ساقط من "جـ".
(¬2) رواه عبد الرزاق (7/ 149)، وابن سعد في الطبقات (7/ 63)، ووكيع في أخبار القضاة (1/ 275). ورواه بنحوه ابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 288) وقال: "خبر عجيب مشهور" ا. هـ. الاستيعاب (3/ 286).
(¬3) "البائسة" ساقط من "ب".