كتاب بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث - ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 1)
فَإِذَا تَكَلَّمْ أَوْلِيَاءُ الله, عَلَيْهِمُ الْعِبَا مَحْنِيَّةٌ أَصْلاَبُهُمْ، قَدْ ذَبَحُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْعَطَشِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ مِنْهُمْ مُتَكَلِّمٌ كُذِّبَ, وَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ قَرِينُ الشَّيْطَانِ, وَرَأْسُ الضَّلاَلَةِ، تُحَرِّمُ زِينَةَ الله, وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، يَتَأَوَّلُونَ كِتَابَ الله عَلَى غَيْرِ دِينٍ، اسْتَذَلُّوا أَوْلِيَاءَ الله، وَاعْلَمْ يَا أُسَامَةُ أَنَّ أَقْرَبَ النَّاسِ مِنَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمَنْ طَالَ حُزْنُهُ, وَعَطَشُهُ, وَجُوعُهُ فِي الدُّنْيَا، الأَخْفِيَاءُ الأَبْرَارُ، الَّذِينَ إِذَا شَهِدُوا لَمْ يُقَرَّبُوا، وَإِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، تَعْرِفُهُمْ بِقَاعُ الأَرْضِ، يُعْرَفُونَ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ، وَيَخْفُونَ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَتَحُفُّ بِهِمُ الْمَلاَئِكَةُ، تَنْعَمُ النَّاسُ وَيَنْعَمُونَ هُمْ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ، لَبِسَ النَّاسُ لَيِّنَ الثِّيَابِ, وَلَبِسُوا هُمْ خَشِنَ الثِّيَابِ، افْتَرَشَ النَّاسُ الْفُرُشَ, وَافْتَرَشُوا الْجِبَاهَ وَالرُّكَبَ، ضَحِكَ النَّاسُ وَبَكَوْا، يَا أُسَامَةُ, لاَ يَجْمَعُ الله عَلَيْهِمُ الشِّدَّةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لَهُمُ الْجَنَّةُ، وَيَا لَيْتَنِي قَدْ رَأَيْتُهُمْ، يَا أُسَامَةُ, لَهُمُ الشُّرَفُ فِي الآخِرَةِ، وَيَا لَيْتَنِي قَدْ رَأَيْتُهُمُ، الأَرْضُ بِهِمْ رَحِيمَةٌ، وَالْجَبَّارُ عَنْهُمْ رَاضٍ، ضَيَّعَ النَّاسُ فِعْلَ النَّبِيِّينَ وَأَخْلاَقَهُمْ, وَحَفِظُوا [هُمُ]، الرَّاغِبُ مَنْ رَغِبَ إِلَى الله فِي مِثْلِ رَغْبَتِهِمْ، وَالْخَاسِرُ مَنْ خَالَفَهُمْ، تَبْكِي الأَرْضُ إِذَا فَقَدَتْهُمْ، وَيَسْخَطُ الله عَلَى كُلِّ بَلَدٍ لَيْسَ فِيهَا مَثَلُهُمْ، يَا أُسَامَةُ, وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ فِي قَرْيَةٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ أَمَانٌ لإِهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ، لاَ يُعَذِّبُ الله قَوْمًا هُمْ فِيهِمُ، اتَّخِذْهُمْ لِنَفْسِكَ, عَسَى أَنْ تَنْجُوَ بِهِمْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَدَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ, فَتَزِلَّ قَدَمُكَ, فَتَهْوَى فِي النَّارِ، حَرَّمُوا حَلاَلاً أُحِلَّ لَهُمْ طَلَبَ الْفَضْلِ فِي الآخِرَةِ، وَتَرَكُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ عَنْ قُدْرَةٍ، لَمْ يَتَكَابُّوا عَلَى الدُّنْيَا تَكَالُبَ الْكِلاَبِ عَلَى الْجِيَفِ، شُغِلَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا, وَشَغَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِطَاعَةِ الله، لَبِسُوا الْخِرَقَ, وَأَكَلُوا الْفِلَقَ، تَرَاهُمْ شُعْثًا غُبْرًا, يَظُنُّ النَّاسُ أَنَّ بِهِمْ دَاءً, وَمَا ذَاكَ بِهِمْ، وَيَظُنُّ النَّاسُ أَنَّهُمْ قَدْ ذَهَبَتْ عُقُولُهُمْ وَمَا ذَهَبَتْ، وَلَكِنْ نَظَرُوا بِقُلُوبِهِمْ إِلَى مَنْ ذَهَبَ بِعُقُولِهِمْ عَنِ الدُّنْيَا، فَهُمْ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا يَمْشُونَ بِلاَ عُقُولٍ، يَا أُسَامَةُ, عَقَلُوا حِينَ ذَهَبَ عُقُولُ النَّاسِ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الآخِرَةِ.
الصفحة 432