كتاب بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث - ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 1)

قَالَ الْقَوْمُ: دَعْهُ، فَدَخَلْتُ, فَإِذَا وِسَادَةٌ مَثْنِيَّةٌ، وَإِذَا جَمَاعَةٌ, إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَظِيمٌ الْبَطْنِ أَصْلَعُ فِي حُلَّةٍ لَهُ, فَجَلَسَ, فَقَالَ: سَلُونِي وَلاَ تَسْأَلُونِي إِلاَّ عَمَّا يَنْفَعُ وَيُضَرُّ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا}؟ قَالَ: وَيْحَكَ, أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: لاَ تَسْأَلْنِي إِلاَّ عَمَّا يَنْفَعُ وَيُضَرُّ؟ تِلْكَ الرِّيَاحُ، قَالَ: فَمَا {فَالْحَامِلاَتِ وَقْرًا}؟ قَالَ: وَيْحَكَ، أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: لاَ تَسْأَلْنِي إِلاَّ عَمَّا يَنْفَعُ وَيُضَرُّ؟ هِيَ السَّحَابُ، قَالَ: فَمَا {فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} قَالَ: وَيْحَكَ، أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: لاَ تَسْأَلْنِي إِلاَّ عَمَّا يَنْفَعُ وَيُضَرُّ؟ تِلْكَ السُّفُنُ، قَالَ: فَمَا {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} قَالَ: وَيْحَكَ، أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: لاَ تَسْأَلْنِي إِلاَّ عَمَّا يَنْفَعُ وَيُضَرُّ؟ تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الْبَيْتِ, هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ؟ قَالَ: كَانَتِ الْبُيُوتُ قَبْلَهُ, وَقَدْ كَانَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ سَكَنَ الْبُيُوتَ، وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ بِنَائِهِ، قَالَ: أَوْحَى الله تَعَالَى إِلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنِ ابْنِ لِي بَيْتًا، فَضِيقَ إِبْرَاهِيمُ ذَرْعًا، فَأَرْسَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ رِيحًا يُقَالُ لَهَا: السَّكِينَةُ, وَيُقَالُ لَهَا: الْخَجُوجُ, لَهَا عَيْنَانِ وَرَأْسٌ، وَأَوْحَى الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَسِيرَ إِذَا سَارَتْ, وَيَقِيلَ إِذَا قَالَتْ، فَسَارَتْ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ, فَتَطَوَّقَتْ عَلَيْهِ مِثْلَ الْحَجَفَةِ, وَهِيَ بِإِزَاءِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ, يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ، وَإِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ يَبْنِيَانِ كُلَّ يَوْمٍ مَسَاقًا, فَإِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِمَا الْحَرُّ اسْتَظَلاَّ فِي ظِلِّ الْجَبَلِ، فَلَمَّا بَلَغَا مَوْضِعَ الْحَجَرِ, قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِإِسْمَاعَيلَ صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ: ائْتِنِي بِحَجَرٍ أَضَعُهُ يَكُونَ عَلَمًا لِلنَّاسِ, فَاسْتَقْبَلَ إِسْمَاعِيلُ الْوَادِيَ, وَجَاءَهُ بِحَجَرٍ, فَاسْتَصْغَرَهُ إِبْرَاهِيمُ وَرَمَى بِهِ, وَقَالَ: جِئْنِي بِغَيْرِهِ، فَذَهَبَ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهَبَطَ جِبْرِيلُ صَلَّى الله عَلَيْهِمَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالْحَجَرِ, فَجَاءَ إِسْمَاعِيلُ صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ, فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ: قَدْ جَاءَنِي مَنْ لَمْ يَكِلْنِي فِيهِ إِلَى حَجَرِكَ, قَالَ: فَبَنَى الْبَيْتَ, وَجَعَلَ يَطُوفُونَ حَوْلَهُ وَيُصَلُّونَ حَتَّى مَاتُوا وَانْقَرَضُوا, وَتَهَدَّمَ الْبَيْتُ, فَبَنَتْهُ الْعَمَالِقَةُ، فَكَانُوا يَطُوفُونَ بِهِ, حَتَّى مَاتُوا وَانْقَرَضُوا، فَتَهَدَّمَ الْبَيْتُ, فَبَنَتْهُ قُرَيْشٌ، فَلَمَّا بَلَغُوا مَوْضِعَ الْحَجَرِ, اخْتَلَفُوا فِي وَضْعِهِ, فَقَالُوا: أَوَّلُ مَنْ يَطْلُعُ مِنَ الْبَابِ، فَطَلَعَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ, فَقَالُوا: قَدْ طَلَعَ الأَمِينُ, فَبَسَطَ ثَوْبًا, وَوَضَعَ الْحَجَرَ وَسَطَهُ، وَأَمَرَ بُطُونَ قُرَيْشٍ, فَأَخَذَ كُلُّ بَطْنٍ مِنْهُمْ بِنَاحِيَةٍ مِنَ الثَّوْبِ, وَوَضَعَهُ بِيَدِهِ صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ.

الصفحة 462