كتاب بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث - ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 2)

قَالَ الصُّدَائِيُّ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ, فَنَزَلَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ مَنْزِلاً, فَأَتَاهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ يَشْكُونَ عَامِلَهُمْ, وَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ الله, أَخَذَنَا بِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ: أَوَفَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَأَنَا فِيهِمْ, فَقَالَ: لاَ خَيْرَ فِي الإِمَارَةِ لِرَجُلٍ مُؤْمِنٍ، قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَدَخَلَ قَوْلُهُ فِي نَفْسِي، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله, أَعْطِنِي، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى, فَصُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ, وَدَاءٌ فِي الْبَطْنِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعْطِنِي مِنَ الصَّدَقَاتِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ: إِنَّ الله لَمْ يَرْضَ فِيهَا بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلاَ غَيْرِهِ حَتَّى حَكَمَ فِيهَا, فَجَزَّأَهَا سِتَّةَ أَجْزَاءٍ, فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ, أَوْ أَعْطَيْنَاكَ حَقَّكَ، قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَدَخَلَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي أَنِّي سَأَلْتُهُ وَأَنَا غَنِيٌّ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ الله صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ اعْتَشَا مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ, فَلَزِمْتُهُ, وَكُنْتُ قَوِيًّا, وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَنْقَطِعُونَ عَنْهُ وَيَسْتَأْخِرُونَ, حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي، فَلَمَّا كَانَ أَوَانُ أَذَانِ الصُّبْحِ, أَمَرَنِي فَأَذَّنْتُ, فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أُقِيمُ يَا رَسُولَ الله؟ فَيَنْظَرُ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ إِلَى نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ إِلَى الْفَجْرِ، فَيَقُولُ: لاَ، حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ, نَزَلَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ فَتَبَرَّزَ, ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيَّ وَقَدْ تَلاَحَقَ أَصْحَابُهُ, فَقَالَ: هَلْ مِنْ مَاءٍ يَا أَخَا صُدَاءٍ؟ قُلْتُ: لاَ، إِلاَّ شَيْءٌ قَلِيلٌ لاَ يَكْفِيكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ: اجْعَلْهُ فِي إِنَاءٍ, ثُمَّ ائْتِنِي بِهِ، فَفَعَلْتُ, فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الإِنَاءِ, قَالَ: فَرَأَيْتُ بَيْنَ كُلِّ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ عَيْنًا تَفُورُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ: يَا أَخَا صُدَاءٍ, لَوْلاَ أَنِّي أَسْتَحِي مِنْ رَبِّي سُقِينَا وَاسْتَقَيْنَا، فَنَادِ فِي أَصْحَابِي مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْمَاءِ؟ فَنَادَيْتُ, فَأَخَذَ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ إِلَى الصَّلاَةِ, فَأَرَادَ بِلاَلٌ أَنْ يُقِيمَ, فَقَالَ رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ: إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ أَذَّنَ وَهُوَ يُقِيمُ، قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَأَقَمْتُ الصَّلاَةَ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ الصَّلاَةَ, أَتَيْتُهُ بِالْكِتَابَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله, أَعْفِنِي مِنْ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ, فَقَالَ نَبِيُّ الله صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ: وَمَا بَدَا لَكَ؟ فَقُلْتُ: سَمِعْتُكَ يَا نَبِيَّ الله تَقُولُ: لاَ خَيْرَ فِي الإِمَارَةِ لِرَجُلٍ مُؤْمِنٍ، وَأَنَا أُؤْمِنُ بِالله وَرَسُولِهِ،

الصفحة 627