كتاب جامع بيان العلم وفضله - ت السعدني ط العلمية

فصل
قال أبو عمر: ومن أدب العالم ترك الدعوى لما لا يحسنه، وترك الفخر بما يحسنه إلا أن يضطر إلى ذلك كما اضطر يوسف - عليه السلام - حين قال: (اجعلنى على خزائن الأرض إني حفيظ عليم). وذلك أنه لم يكن بحضرته من يعرف حقه فيثني عليه بما هو فيه ويعطيه بقسطه، ورأى هو أن ذلك المقعد لا يقعده غيره من أهل وقته إلا قصر عما يجب للّه عز وجل من القيام به من حقوقه، فلم يسعه إلا السعي في ظهور الحق بما أمكنه، فإذا كان ذلك فجائز للعالم حينئذ الثناء على نفسه، والتنبيه على موضعه، فيكون حينئذ تحدث بنعمة ربه عنده على وجه الشكر لها.
634 - وقال عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه - في حديث صدقات النبي صلى اللّه عليه وسلم حين تنازع فيه العباس وعليّ: (و اللّه لقد كنت فيها بارا تابعا للحق، صادقا). ولم يكن ذلك منه تزكية لنفسه رضي اللّه عنه) وأفضح ما يكون للمرء دعواه بما لا يقوم به، وقد عاب العلماء ذلك قديما وحديثا، وقالوا فيه نظما ونثرا، فمن ذلك:
قول أبي العباس الناشيء:
من تحلى بغير ما هو فيه ... عاب ما في يديه ما يدعيه
وإذا حاول الدعاوى لما فيه ... أضافوا إليه ما ليس فيه
وبحسب الذى ادعى ما عداه ... أنه عالم بما يعتريه
ومحل الفتى سيظهر في الناس ... وإن كان دائبا يخفيه
وأحسن من قول الناشيء قول الآخر في هذا المعنى:
من تحليب غير ما هو فيه ... فضحته شواهد الامتحان
وجرى في العلوم جري سكيت ... خلفته الجهاد يوم الرهان

الصفحة 204