كتاب جامع بيان العلم وفضله - ت السعدني ط العلمية

فهو فرض على الكفاية، يلزم الجميع فرضه فإذا قام به قائم سقط فرضه عن الباقين بموضعه، لا خلاف بين العلماء في ذلك، وحجتهم فيه قول اللّه عز وجل: فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ
فألزم النفير في ذلك البعض دون الكل، ثم ينصرفون فيعلمون غيرهم، والطائفة في لسان العرب: الواحد فيما فوقه. وكذلك الجهاد فرض على الكفاية لقول اللّه عز وجل: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
إلى قوله: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً
[النساء: 95]، ففضل المجاهد ولم يذم المتخلف، والآيات في فرض الجهاد كثيرة جدا، وترتيبها مع الآية التي ذكرنا على حسب ما وصفنا عند جماعة أهل العلم، فإن أكل العدو بلدة لزم الفرض حينئذ جميع أهلها، وكل من قرب منها، إن علم ضعفها عنه، وأمكنه نصرتها لزمه فرض ذلك أيضا، قال أبو عمر: ورد السلام عند أصحابنا من هذا الباب فرض على الكفاية لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «و إن رد السلام واحد من القوم أجزأ عنهم».
وخالفهم العراقيون فجعلوه فرضا متعينا على كل واحد من الجماعة إذا سلم عليهم، وقد ذكرنا وجه القولين، والحجة لمذهب الحجازين في كتابنا كتاب «التمهيد» لآثار الموطأ، والآية المبينة لرد السلام بإجماع هي قوله تعالى: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها
ومن هذا الباب أيضا تكفين الموتى وغسلهم والصلاة عليهم ومواراتهم، والقيام بالشهادة عند الحكام، فإن كان الشاهدان عدلين ولا شاهد له غيرهما، تعين الفرض عليهما، وصار من القسم الأول. ومن هذا الباب عند جماعة من أهل العلم الآذان في الأمصار، وقيام رمضان، وأكثر الفقهاء يجعلون ذلك سنة وفضيلة، وقد ذكر قوم من العلماء في هذا الباب عيادة المريض وتشميت العاطس، قالوا: هذا كله فرض على الكفاية. وقال أهل الظاهر: بل ذلك كله فرض متعين، واحتجوا بحديث البراء ابن عازب قال: أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض وإتباع الجنائز

الصفحة 21